لدى أي شخص متدين، يقول المنطق إن تطبيق الشعائر الدينية يكون فرصة للتخشع والتأمل والتقرب من الله.
لذلك، لطالما كنت أستغرب من الأشخاص الذين يصلون في الشارع العام مثلا، أمام ضوضاء المارين، وتلوث السيارات وأصوات البائعين والأطفال.
في تصوري، الصلاة هي لحظة خشوع لا تستقيم أمام الضوضاء أو التلوث.
لكن الأغلبية حولنا يحرصون على آدائها في مواعيدها أكثر من حرصهم على أدائها في ظروف تخشع وتأمل ملائمين. وهذا أيضا ما يقوله لهم الفقهاء ورجال الدين.
لكن مفاجأتي الأكبر كانت حين اكتشفت في الشهور الأخيرة موضوع الحج VIP...
بالنسبة للشخص المؤمن، تأدية فريضة الحج تفترض، مرة أخرى، إيمانا وتخشعا، فرصة للتأمل في العلاقة بالخالق، في فناء الذات وفي كونها عابرة، فانية أمام استمرارية الكون؛ فرصة للتجرد من الأحاسيس الطبقية وللتخشع والتخلص من الاستعلاء والألقاب والمكانة الاجتماعية، فرصة للتواضع أمام الخالق والكون، بتجرد من الألقاب والمال والغنى.
لكن لا... حتى في الحج، يفترض أن نذكر الآخرين بأننا أغنياء وبأننا من طبقات أسمى وبأننا لا يمكن أن نتساوى... حتى في كيفية تأدية الشعائر الدينية!
يجب أن نعود من الحج ونقول إننا كنا في الفندق الفخم وأننا رمينا الجمرات بأريحية أو حتى من سياراتنا، بأن وقفة عرفة كانت كذا والسعيَ كذا، بأننا تمتعنا بالتكييف وشربنا أفضل المشروبات...
يصبح الحج فرصة لتأكيد المكانة الاجتماعية والتميز. أو ربما لشراء لقب الحاجّ والحاجّة! للتباهي...
تماما كهؤلاء الذين يقضون فترات الحج والعمرة وهم يلتقطون الصور والسيليفات لينشروها على مواقع التواصل لاحقا. كيف يكون الحج أو العمرة، وكيف يكون التخشع ونحن نركز على زاوية الصورة وعلى ملابسنا وشكلنا حين التقاطها وعلى الفلترات وعلى قواعد النشر والدعاية؟
للأسف، حتى التعبد والحج والصلاة أصبحت فرصا للـ show وللتباهي. فرصة لحصد اللايكات والمتابعات. فرصة لعرض الجمال أو الغنى. فرصة للتباهي أثناء الحج، ثم لاحقا في مجتمعاتنا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
يصبح الأساسي هو التباهي والتموقع الاجتماعي... وليس التخشع ولا حتى القيمة الروحية للممارسة الدينية!