يؤلمني في الحروب، أكثر ما يؤلمني، ضحاياها الأحياء أكثر من قتلاها. أعني الجرحى، المصابين، المشوّهين، الأيتام، الثكالى، المتألمين، الجائعين، المشردين، الخائفين، الضائعين، المستَغلين.
لماذا يؤلمني وضع الأحياء أكثر؟ لأن عذاب الموتى انتهى بموتهم، أما عذاب اولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة، فقد بدأ للتو. هنا أمّ فقدت أولادها، او أبٌ بلا سقف يؤوي عائلته، او طفلٌ يتوق الى كوب حليب، او عجوز لا تجد من يساعدها حتى على المشي. جميعهم يجرجرون مصائبهم وراءهم كمثل ظلال ثقيلة، ويعلمون أن ظلالهم سوف تجثم على صدورهم وتخنق أنفاسهم عاجلاً أم آجلاً.
أما الأسوأ والأقسى عندي، فوضع الأطفال: إن الضرر اللاحق بهم بسبب الحروب، لا يمكن احتماله. انظروا الى ما يحصل الآن في فلسطين. انظروا الى ما حصل في سوريا، أو العراق، أو اليمن، أو سواها. كل ذلك بإسم "حضارة" الإنسان الديموقراطي الذي يبشر بالعدل والحقوق والمساواة بين بني البشر، لكن فقط بالقول لا بالعمل.
أعتقد أن البشرية لن تستطيع أن تواجه كوارثها الماثلة أمامنا بالعين المجردة، وأن لا سبيل الى حل أزمة الحروب في العالم وما ينجم عنها من ويلات، إلاّ بإجبار الدول الكبرى على مواجهة مسؤولياتها الانسانية ومراجعة ضميرها. لكنّي أعرف أن هذا مستحيل، لسبب واحد، هو أن الدول الكبرى هي غالباً كاذبة مسؤوليات وكاذبة ضمير وكاذبة أخلاق وقيم.
الى أين يذهب هذا العالم؟ الى أين تأخذنا هذه الوحشية التي لا يرفّ لها جفن ويكاد لا ينجرح لها قلب زعيم في العالم المسمّى أوّلاً، ما عدا بعض الاستثناءات التي لم تتمكن حتى الآن من أن تقدّم أو تؤخر في هول ما يحصل؟
أسأل، لكني لا أريد ان اعرف.