في ظني، ليس من الصحي أن تعيش طول عمرك في مجتمع أو في ظروف ما دائما ما تعتبرك الطرف الأقوى، بدون ما تجرب ولو مرة واحدة في حياتك أن تكون أقلية!
فكرة أثارتها في خاطري صورة حزينة، لمجموعة من أقباط إحدى قرى الصعيد، يجلسون محشورين في مكان غير مجهز للصلاة، يبدو أنه أعد أو اتجهزعلى عجل وحذر وربما خوف بعد أن عانت نفس تلك القرية من أحداث طائفية في نهاية الشهر الماضي.
الصورة يمكن ما تأثرش في ناس كتير، طالما ما مروش في يوم من الأيام بإحساس كونك أقلية، تسعى لأن تحتفظ بكينونتها وانتماءاتها وأفكارها في مجتمع أكبر يسيطر عليه المختلفين عنها.
فعندما تكون مثلا ذكر مسلم سني قاهري فاتح البشرة أهلاوي، ما بعدش عن بيت عيلته وحيه اللي اتولد فيها يوم واحد في حياته، صعب انك تفهم يعني إيه تتلفت حواليك عشان بس تمارس ما تحسب أنه حقك في الحياة.
مش هتفهم يعني إيه ناس تبص لك على إنك تستحتق التضييق، والتقييد وربما الأذى فقط لأنك بتصلي في مكان مختلف، أو بتتكلم لغة غريبة، أو لون جلدك مختلف ، أو حتى بتلبس ملابس أعضاء مجتمع الأغلبية بيصنفوها على إنها نوع من التصريح بهويتك بيهددهم بشكل مباشر وبالتالي لابد من تحجيمه أو القضاء عليه!
مش هتفهم يعني إيه تضطر تخفي هويتك في وقت ما، ويبقى ده شيء طبيعي متعود عليه وجزء من حياتك اليومية. ولا هتفهم إزاي في أوقات كتير لازم تمنتج أفكارك وكلامك بدل ما تتفصل من شغل أو تتقاطع من مجموعة أصدقاء، أو يتم رفض انتماءك حتى لاتحاد ملاك في عمارة. لازم تمشي بسرعة من أماكن معينة أو تمد خطواتك في شارع ما عشان ما ارتحتش لنظرات اللي حواليك وتجاربك السابقة بتقول إن النظرات دي بتكون مقدمة لمواقف محرجة وسخيفة وأحيانا عنيفة!
كوني امرأة من الأقاليم، انتقلت من مدينتها الصغيرة لمجتمع القاهرة الأكبر والأكثر انفتاحا، وجت لها الفرصة للسفر لعدة دول حول العالم، فالبطبع أنا في مواقف كتير اتعرضت لكوني أقلية. في أماكن أنا أقلية لأني امرأة، وفي أماكن تانية لأني مسلمة، وفي أماكن لأن ملامحي شرق أوسطية وأحيانا لأني عربية، وأحيانا لأني من الأقاليم وأحيانا لأني محافظة أكتر من اللازم وأحيانا أخرى لأني ليبرالية أكتر من المطلوب.
وفي رأيي وعلى الرغم من إن كونك أقلية بتقابل مواقف عنصرية في مجتمع مختلف دي تجربة مؤلمة، لكني في أحيان كتيرة باتمنى إن الكل يمر بالتجربة دي عشان يكون أكثر تفهما وأكثر رحمة بالآخرين. لازم تجرب الشعور ده، عشان تفهم لما بتمارسه تجاه شخص آخر، أو حتى لما بتصمت وانت بتشوفه بيتعرض ليه، إنت بتؤلمه أد إيه؟
في النهاية مش عارفة إذا كان لازم أفكرك بحاجة بديهية، وهي إن ربنا خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف. مش عشان نتعنصر على بعض ونعزل بعض ونؤذي ونؤلم بعض.
لكننا نعيش في زمن يحتاج للتذكير بالبديهيات، لذا وجب التنويه!