والدتي مثقفة، ووعيها عالٍ رغم أنها لم تذهب إلى المدرسة، وإنما تعلمت على يد "سِنّة"، وهو لقب كان يطلق على من يعلم القرآن في ذاك الوقت. سألت والدتي بعد أن انتهينا من نقاش طويل انبهرت فيه كالمعتاد بمدى وعيها، واستغربت كيف أصبحت بهذا الوعي، فقالت لي ربما لأنني عندما كنت أتعلم مع "سِنّة" كنا عندما ننتهي من قراءة القرآن نقرأ الكثير من الكتب، مثل كتب لجورج زيدان، وكليلة ودمنة، وكتب تاريخية، وكنا نتناقش كثيرًا بالساعات بعد الدرس.
قررت أن اسأل والدتي أكثر عن هذه المرأة "سِنّة" التي لا نعرف ما اسمها الحقيقي، وهي من نساء مدينة جبلة. قالت والدتي أن "سِنّة" كانت محبوبة من الجميع، ربما لأنها علمت القراءة للكثير من النساء في ذاك الزمن. "سِنّة" كانت قوية، فعندما لم تستطع أن تستمر مع زوجها طلبت الطلاق، ثم تزوجت للمرة الثانية، ولكن هذا لم يكن مستغربًا في جبلة المدينة التي كانت منفتحة، وكان الزواج من مطلقة أمرًا عاديًّا، فتتزوج المرأة عدة مرات، ولا عيب في ذلك.
ربما لذلك اختارت الملكة (أروى الصليحية) أن تكون جبلة مقر حكمها لأنها مدينة مختلفة عن بقية مدن شمال اليمن.
"سِنّة" تعلمت القرآن من زوجها، والذي كان فقيهًا، وأيضًا أخوتها كانوا فقهاء، ولكنها كانت تمشي، ووجهها مكشوف، فكانت الناس تستغرب من ذلك. كانت "سِنَّة" لا تهتم لما يقوله الناس، وفرضت احترامها، وكانت عزيزة النفس، وتهتم بنفسها، ولم تتردد في أن تعرض على أمي أن تدرسها قراءة القرآن عندما رأت أمي تبكي لأنها تريد أن تذهب إلى المدرسة بعد أن رفض جدي -والد أمي- أن يرسلها لمدينة تعز لتدرس في المدرسة الوحيدة التي كانت تعلم الفتيات في ذلك الوقت. هناك الكثير من القصص عن "سِنّة" لا يمكنني حصرها في هذه المدونة القصيرة، ولكنني أتمنى أن أكتب قصتها في يوم ما، فهي قصة ملهمة مثل قصة أمي التي استطاعت رغم كل الظروف أن تكون بهذا الوعي.