قرأتُ مؤخراً قصة عن شاب كان راسباً وفاشلاً في المدرسة، ويفكّر جدياً في ترك الدراسة. قدّم هذا الشاب امتحان البكالوريا كلعبة أو مجازفة، من دون كثير أمل في النجاح، لكنه حاز، يا للعجب، علامة عالية جداً.
دفعه ذلك الى تغيير رأيه في مسألة متابعة تعليمه، فانتسب الى إحدى الجامعات، ثم تخرّج وأصبح أحد رجال الأعمال الأكثر شهرة وثراء في العالم. في أحد الأيام، وبعد سنوات عديدة، تلقّى ذلك الرجل رسالة من هيئة التعليم الثانوية، تبلغه عن أخطاء وقعت في نظام احتساب النقاط خلال السنة التي قدم فيها امتحان البكالوريا، وأن علامته في الواقع كانت تحت المعدّل المطلوب بكثير. طبعاً، لم يكن للمعلومة أي تأثير على حياته في تلك المرحلة المتقدمة، لكن الرجل روى قصته هذه، لكي يبين المفعول الهائل لثقة الإنسان في نفسه، ولنظرته الى نفسه، على مجرى حياته.
مَن يقال له مراراً وتكراراً خلال نشأته إنه فاشل، أو ضعيف، أو بلا نفع، أو لا يكفي، سيصدّق، وسيكبر غالباً ليصير فاشلاً أو ضعيفاً أو بلا نفع أو غير كاف، اللهم إلا إذ أتاحت له ظروف الحياة واختباراتها أن يطوّر شخصيته ويقوّيها رغماً عن نشأته المدمّرة تلك، فيتمكن من تغيير الرؤية المطبوعة فيه عن ذاته منذ الصغر. لكن هذا، كما نعلم، ترف لا يعطى لكثيرين. أتحدث عن هذا الموضوع لأني ما زلتُ أرى التأثير السلبي الهائل لهذا الأسلوب التربوي على الأولاد في مجتمعاتنا. إذ لا يزال آباء وأمهات كثيرون يعتبرون أن الانتقاد المستمر حرصٌ، والتركيز على النواقص حبّ، وأنهما يؤديان الى شدّ العود وتمتين الشخصية، بينما هما قد يؤديان في الواقع الى تحطيم الثقة في النفس بطريقة من الصعب شفاؤها في المستقبل.
فلنكن دائماً واعين كأهل إلى تأثير طريقة النظر الى الذات والآخر في عيش أولادنا لحياتهم كراشدين، وتفاعلاتهم مع من حولهم، ونجاحهم أو فشلهم في شتى المجالات. ليس المطلوب المبالغة في تدليلهم طبعاً، فلهذا بدوره تأثيرات سلبية من نوع آخر، ولكن لنحتضن نقاط الهشاشة فيهم بدلاً من التركيز عليها واختصارهم بها.
ولنحتضن، أيضاً وخصوصاً، نقاط الهشاشة فينا.