أعترف اني كنت مخطئة لما تخيلت ان رمضان السنة دي هيكون مختلف. تخيلت إن كل التخمة والمغالاة والبهرجة اللي أصبحت مع الزمن مرتبطة ارتباط وثيق برمضان، على الرغم من إنها بتتضاد بشدة مع هدفه الأساسي، تخيلت انها هتكون أقل السنة دي ولأسباب معروفة هي مزيج من الظرف الاقتصادي الصعب اللي بيمر بيه الكثيرين، بالإضافة إلى الحرب اللي لسه دائرة على حدودنا اللي لم تحترم قدوم الشهر المجيد ولا حساسيته بالنسبة للمنطقة.
لكن انتصف الشهر واتضح ان الأجواء الرمضانية لم تتغير، أو بمعنى أصح ما اجتمعنا على تسميته بالأجواء الرمضانية، اللي أصبح من أهم مظاهرها مؤخرا هي تشجيع التخمة، ودعم الإصابة بغيبوبة السكر وتصلب الشرايين.
وبعد ما كانت وفرة الطعام على موائدنا بتمثل لنا نوع من الأمان. الإحساس بإننا مستورين، ومع كل طبق زيادة على السفرة بنشكر ربنا على النعمة ونحس بيها ونحاول نحس بالمحروم منها. بعد ما كانت الموائد الرمضانية هدفها تجميع الأحباب، وأفراد الأسرة المباشرة اللي ظروف تعليم أوعمل أفرادها ممكن تمنعهم في الأيام العادية من الاجتماع على سفرة واحدة، وأفراد العائلة الممتدة اللي ممكن تكون ظروف الجغرافية ومشاغل الحياة بتمنعهم من اللقا لأسابيع وشهور. لكن فجأة أصبح الهدف الأساسي للموائد دي هو التفاخر والتعالي والتنطيط، عن طريق عد عدد أصناف سفرة طنط شاهندة اللي لازم تكون أكتر من عدد أصناف طنط شيماء.
وبعد ما كانت حلويات رمضان هدفها الأساسي التعويض عن غياب السكر عن أجسامنا طول مدة الصيام، بالإضافة لإضافة لمسة احتفالية مميزة لليالي رمضان، (فاحتفالاتنا دائما ما كانت تدور بشكل أو بآخر حوالين الطعام). بعد ما كان الموضوع لسنين طويلة معروف ومفهوم. هنعمل كنافة بالمكسرات، وهنعمل قطايف برضه بالمكسرات، وشكرا على كده. فجأة حد فتح هاويس السكريات، وانهمر طوفان الكنافة بالكريمة والجبنة والمانجا والفراولة والكراميل والقطايف باللوتس والنوتيللا والريد فيلفيت والأوريو والبوريو وكإن صناع الحلويات كلهم تعاقدوا مع شركة بتنتج الإنسولين وهناك حملة ممنهجة لإصابتنا كلنا بمرض السكر.
ده غير إن تقريبا ماعادش ينفع تاكل نوع واحد من الحلويات وإلا تبقى موضة قديمة، لازم تاكل كنافة على بسبوسة، وبسبوسة على جلاش، وجلاش على رواني، ورواني محشية بلح الشام، وبلح الشام محشي كريمة محطوط جوه قطايف مقلية بالزيت ومغطاة بالشيكولاتة البيضا وصوص البيستاشيو، اللي هو الفستق عادي يعني، بس بقى عيب نقول عليه فستق برضه وإلا نبقى خرجنا من جروب أولاد بارم ديله الرمضاني الخطير.
انجراف مع تيار استهلاكي مضر صحيا بشكل استثنائي ما اتعودناش عليه غير من كام سنة فاتوا، وانغماس بكل حواسنا في تجارب عكس المقصود من الشهر الكريم تماما، وانفصال تام عن الظرف الحالي سواء محلي أو عالمي، بشكل محسسني اننا بقينا بنستخدم الأكل تحديدا كنوع من المخدر، بننغمس فيه وبننشغل بيه عشان ندخل في حالة من حالات التخمة اللي بتغمي العقل وتمنعه يناقش ويحلل الأحداث المحيطة بيه.
شكل من الغيبوبة اللي بندخل نفسنا فيها بشكل لا شعوري، أو يمكن بالقصد، لأنها أسهل من الانتباه والاهتمام والشعور بالألم بكتير.