خانُ المدلل واحدٌ من اقدمِ اسواقِ جمعِ الانتيكةِ في بغداد، ، يمتدُ عمرُهُ الى اكثرِ من قرنٍ مضى، ويضمُ مقتنياتٍ تعكسُ حقباً تاريخيةً متعددةً ومن بلدانٍ مختلفةٍ فمن الطبيعي ان تجدَ مقتنياتٍ من فلسطين وفرنسا وبريطانيا . اسلحةٌ ولوحاتٌ وتحفٌ الى مالانهاية من القطعِ النادرةِ والجملية .
هل سمعتَ يوما بأن كوكبَ الشرقِ امَ كلثوم قامت بغناءِ دوتو مع المطرب الكويتي الشهير عوض دوخي ؟ بالطبعِ لا ، لان ذلك لم يحدث مطلقا في الحقيقةِ ولكن في خانِ المدلل من الممكنِ ان يحدث َ مِنْ خِلَالِ دَمْجِ صَوْتَيْهِمَا مَعًا وَتَحْوِيلَهُ إِلَى أُسْطُوَانَةٍ. شخصيا استمتعتُ بغنائِهما عندما سمعتُه وانا اتوجه الى خان المدلل. بنايةٌ قديمةٌ كبيرةٌ مكونةٌ من طابقين.
بعد ان تجتازَ بوابتَهُ الحديديةَ تاتي حديقةٌ مسيجةٌ لاتحتوي نباتاتٍ وانما تحتوي مجموعةً من المقتنياتِ المبعثرةِ ويحيطُ بها عددٌ من المحالِ المليئهِ بانتيكاتٍ ولوحاتٍ وقطعِ اسلحةٍ نادرةٍ روادُ هذا المكان من الشبابِ المهتمِ باقتناءِ الانتيكاتِ المختلفةِ اضافةً الى السياحِ كما يقول ابو محمد الذي قضى ما يقربُ من خمسين عاما في تجارةِ الانتيكات في خان المدلل
" سوق خان المدلل قديم جدا وهو يضم قطع نادرة من الانتيكة ليس من العراق فقط وانما من كل دول العالم ، يعني اذا تجولتم به سترون قطع نادرة من فرنسا وبريطانية، وبعد ان انتشرت المعلومات حول المكان اصبح يرتاده السواح وكذلك الشباب الذي يطمح للحفاظ على التراث وهذا يفرحنا كثيرا "
الأمانةُ والصدقُ عند البيعِ والشراءِ واحدٌ من المباديء التي يحافظ عليها العاملون في هذه التجارة . عندما كنت اجري لقاء مع احد تجار الانتيكة سأله شاب عن قطعة سلاح معروضة لديه فبادرة بالقول
"هذه القطعة فيها عيب يجب أن تعرفه، فهي مكسورة وتم لحمُها"
كان السائلُ شابٌ في الثلاثينيات من عمرِهِ اسمُه خلدون وسام وسؤالُه كان عن قطعةِ سلاحٍ معروضةٍ للبيع وهو من روادِ خانِ المدلل وقضى نصفَ عمرِهِ في جمعِ الانتيكاتِ النادرةِ ليس للمتاجرةِ بها، وانما حبا في اقتنائها .وسام تحدث لنا قائلا :
"أمارس هذه الهواية منذ الطفولة وبدأت بجمع الطوابع، ومن ثم وبعد الانفتاح على الاسواق العالمية بدءت تتوفر لدينا فرصة اقتناء قطع انتيكة لم تكن متوفرة سابقا، املك حاليا مسدس ( سنور ) من ايام الحرب العالمية الاولى ومختوم وكذلك املك مجموعة من الانواط والاوسمة من الحربين العالميتين الاولى والثانية "
ويضيف " لا افكر ببيع مقتنياتي حاليا، ولكن مستقبلا طبعا اذا فكرت فسابيعها باضعاف السعر الذي اشترتيه بها بالتأكيد "
تجار الانتيكات في خان المدلل استفادوا من التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي للتعريف بالسوق وعرض مقتنايتهم والترويج لها مما وسع من تجارتهم لتنتقل من البيع محليا داخل العراق الى كل دول العالم.
محمدُ الدراجي وعلى الرغمِ من صغرِ سنِه الا انه اقتنى مجموعةً كبيرةً من الانتيكاتِ٠ وجميعها جُمعت من بيوتاتٍ بغداديةٍ عريقةٍ او من مزاداتٍ عالميةٍ يقول الدراجي لم يكن امرا سهلا خسرت كثيرا في البداية ولكنني تمكنت من النهوض مجددا ومواصلة الطري واضاف .
" الموضوع صعب جدا ، لايستطيع كل شخص ممارسة تجارة لاانتيكات لانه يتعامل مع مواد مختلفة ولايعرف قيمتها الا الاختصاص فقط، مثل الصور واللوحات والسجاد والانتيكة الفضة والنحاس وكذلك الاسطوانات الحجرية والبلاستيكية المختلفة . بعض الانتيكة باهضة الثمن وبعضها متوسط وهناك الرخيصة الثمن . على سبيل المثال صورة الملك فيصل الثاني عندما كان طفلا تعتبر نادرة جدا لانه لايوجد منها سوى هذه النسخة فقط "
ويملك الدراجي الكثير من المقتنيات المختلفة واكثر مايلفت النظر الاسلحة التي يملكها وجميعها اقتناها مع رخصتها المسجلة منها قطعة سلاح اسماها هنري بريطاني وتاريخ صناعتها يعود الى عام 1905 اي ان عمرها يصل الى نحو 119 عام .
تمر ًالساعاتُ من دون ان تشعرَ بالمللِ وانت تقلبُ قطعَ الانتيكاتِ وتتفحصُ دقةَ صناعتِها ومتانتِها وتاريخِها المحفورِ بدقةٍ باليومِ والشهرِ والسنة ، و اجملُ ما في خانِ المدلل استقبالُ الباعةَ لك وَضِيَافَتُهُمْ اَلْمُقَدَّمَةُ اَلشَّايَ وَالْقَهْوَةَ وَشَرَابَ نَوْمِي بَصَرُهُ اَلشَّهِيرُ فِي اَلْعِرَاقِ ، وَكَأَنَّكَ حَلَّلَتْ ضَيْفًا عَلَى بُيُوتِهِمْ.