التنمر كلمة مستحدثة في اللغة العربية، تم استخدامها مؤخرا بشكل مكثف، على الرغم من عدم وجودها في قاموسنا أثناء الطفولة والشباب، وده لأنها بتعبرعن مشكلة ما كناش بنبصلها على إنها حاجة كبيرة لدرجة اننا ندورلها على تعريف.
في المدارس كان دايما وارد يكون فيه حبة عيال بيستقصدوا طفل بعينه، يا إما متغاظين منه عشان أشطر منهم، أو مستقويين عشان هم أقويا وهو ضعيف.
كان الأمر بيتراوح بين غلاسات لفظية، زي انهم يضحكوا عليه بدون سبب، يسخروا من كلامه أو لبسه أو تصرفاته ولا يسلم الأمر طبعا من مناوشات جسدية أوعلقة مافيهاش جدعنة لما يتجمعوا على طفل ضعيف ووحيد.
كنا كأطفال بنتعاطف ونحاول ندافع، وبعض المدرسين كانوا أحيانا بيتدخلوا، بس كان فيه شعور عام كده ان العلقة دي جزء من تجربة النضوج وإن الضربة اللي ما تموتكش بتقويك. وعلى الرغم من اننا بنكتشف دلوقتي ان لأ الموضوع مش بهذه البساطة وانه بيسيب تشوهات نفسية في نفس اللي مر بيه، لكن لأن ردود الأفعال عمرها زمان ما كانت عنيفة، فالموضوع كان بيعدي وخلاص.
بعد كده بدأت نتايج التنمر تتفاقم، شوفنا في المجتمع الغربي الشباب والأطفال اللي عانوا من التنمر بعضهم بييأس من حياته ويقرر ينهيها، والبعض التاني بينتقم في حوادث قتل جماعية في المدارس، أصبحت معتادة من كتر تكرارها.
وبطبيعة الحال، وصلت التبعات دي عندنا، وبدأنا نسمع على فترات قريبة عن حوادث انتحار لشباب وأحيانا أطفال بيكون سببها المباشر هو التنمر أو الإذلال الناتج عنه.
ومن آخر الحوادث اللي سمعنا عنها مؤخرا، هي حادثة (نيرة) الطالبة الجامعية اللي أقدمت على الانتحار بعد تهديدات من اتنين زمايلها، حصل خلاف بينها وبينهم، فقررت زميلتها المقيمة معاها في سكن الجامعة تصورها وهي بتستحمى وتسلم الفيديو لصديقها اللي بدأ يهدد بنشر الفيديو على جروب الجامعة لو البنت ما اعتذرتش لصديقته اللي ضايقتها. ومما زاد الطين بلة إن الضحية لما راحت تشتكي لمسئول في الجامعة، قالها ببساطة إنتي مش أد زميلتك دي، انتي من أصول بسيطة وعيلة زميلتك عيلة واصلة.
وفي النهاية التنمر والسخرية والتهديد والابتزاز أوصل نيرة لإنها قررت تنهي حياتها خوفا من الفضيحة.
القضية لسه قيد التحقيق وفيه ناس بتفترض سيناريوهات مختلفة زي إن نيرة اتسممت ما انتحرتش، لكن قضية نيرة دي، فكرتني بقضية نيرة أخرى، نيرة أشرف اللي تم قتلها أمام بوابة جامعتها على إيد زميل مهووس بيها، المشترك بين القضيتين إن الضحيتين ما سكتوش، اشتكوا ورفعوا صوتهم على قدرالمتاح ليهم وطلبوا الحماية من الخطر اللي بيواجهوه. ومع ذلك تم خذلانهم وفي النهاية ضاعت حياتهم سدى. نيرة أشرف اشتكت في الجامعة، وعملت محضر عدم تعدي، لكن القاتل وصلها ونحرها في وضح النهار، ونيرة التانية طلبت مساعدة مسئول جامعتها، لكنه زود يأسها من حصولها على العدل وتركها تواجه قدرها دون حماية.
والسؤال المطروح هو: طب نعمل إيه، إذا اتعرضنا إحنا أو من يهمنا أمرهم لمواقف شبيهه؟ ترصد أو تهديد، تنمر أو ابتزاز. إذا كانت الشكوى والبحث عن المساعدة عن طريق القنوات الشرعية لا بيقدم ولا يأخر؟ يبقى الحل إيه؟
رحم الله نيرة ونيرة، وساعد كل نيرة زيهم واقعة في محنة وبتشتكي وبتستغيث وبتطلب حماية المجتمع والقانون، والكل بيقف يتفرج لحد ما تصعد روحها المغدورة تشكي قلة العدل في الأرض للرحمن الرحيم