تحدثت وسائل إعلام ليبية عن موافقة مجلس النواب الليبي على مقترح تقدم به مصرف ليبيا المركزي من أجل فرض ضريبة على النقد الأجنبي بشكل مؤقت، لضمان استقرار سعر صرف الدينار المهدد بالانخفاض أمام سلة من العملات الأجنبية. ورغم محاولات البرلمان الليبي طمأنة المواطنين بشأن عدم تأثير الضريبة على أسعار السلع المدعومة وأنها تهدف فقط إلى ضمان تدفّق الدولارات إلى جميع المصارف، إلا أن تأثيرات هذا الإجراء، التي ستظل تحت الدراسة حتى نهاية العام 2024، أثارت جدلاً واسعاً ومخاوف لدى المواطنين.
وحول مقترح المركزي الليبي، اعتبر علي الفارسي، الكاتب والمستشار الليبي المتخصص في شؤون النفط والغاز، أن المصرف المركزي الليبي، عبر الضريبة على النقد الأجنبي، والبالغة 27%، يقوم بمناورة سياسية لا حاجة لها في الوقت الحالي، في ظل تعافي صادرات النفط الليبي، لاسيما مع استثناء ليبيا من سياسة خفض الانتاج التي تنتهجها منظمة اوبك وتحالف أوبك+، مما يسمح لليبيا بتحقيق عائدات ومداخيل أعلى تساهم في توفير احتياجات السوق من النقد الأجنبي.
وحذّر الفارسي من تكرار سيناريو عام 2021، عندما اتخذ المصرف المركزي خطوات مماثلة، أحادية الجانب، من أجل سداد الدين العام وتغطية النفقات والعجز في ميزان المدفوعات، لكنه فشل في حل المشاكل بسبب التوسع في الإنفاق، الذي بلغ مستوى 165 مليار دينار خلال العام 2023، بالإضافة إلى عدم الاستخدام الأمثل للمداخيل، وهو ما نعيشه اليوم أيضاً، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى عجز سنوي مستمر وتعدد أسعار الصرف في البلاد بعد فرض الضريبة التي تُستثنى منها القطاعات المموّلة من الخزانة العامة ذات الطابع السيادي والخدمي.
وحول تراجع القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار، في ظل وصول سعر الدولار في السوق الموازية أو "السوداء" في ليبيا، إلى 8 دينار، يقول علي الفارسي إن حتى سياسة رفع الرواتب لن تعود مجديةً بسبب الضريبة التي يريد المصرف فرضها على النقد الأجنبي والتي سترفع الأسعار بالنسبة للمستورد والموزّع وبالتالي المستهلك. واوضح الفارسي أنه كان بالإمكان اللجوء إلى جملة من الإصلاحات والسياسات النقدية على المدى الطويل، وإجراءات أكثر مرونة مثل تسهيل الاعتمادات المستندية وفتح المقاصة ومواجهة السوق السوداء.
وعلي عكس ما يقوله مجلس النواب الليبي، حول المحدودية الزمنية لهذه الضريبة، لفت علي الفارسي إلى صعوبة التخلص من الضريبة وتبعاتها قبل 3 سنوات على الأقل، مشدداً على ضرورة عدم مقارنة الاقتصاد الليبي باقتصادات إقليمية ودولية أخرى سبق وأن لجأت إلى هذه السياسة. فالاقتصاد الليبي، يقول الفارسي، اقتصاد ريعي يعتمد على مصدر واحد للدخل هو النفط، على عكس الدول التي تتنوع فيها مصادر الدخل. كما أن ارتباط دخل الدولة بأسعار سوق النفط يمكن أن يكبّد ليبيا تكاليف باهظة في حال فرض الضريبة المقترحة من المصرف المركزي على النقد الأجنبي، والتي قد تتضاعف لتصل إلى 50%، في حال تغيّرت معطيات السوق وهبطت أسعار برميل النفط الخام عالمياً.