حين أخرج مع صديقتي لتناول وجبة غداء، تعترضني قبل أن أبدأ الاستمتاع بها: "انتظري، يجب أن نأخذ صورة لمواقع التواصل".
وهي في لقاء مهني. وهي في ندوة. وهي تتمشى على كورنيش الدار البيضاء أو الرباط أو طنجة. وهي في الطائرة. وهي تتابع فيلما على إحدى المنصات الرقمية.
كل التفاصيل بالنسبة إليها، صالحة للنشر...
خرجاتها مع أبنائها. عشاؤها مع زوجها. ذهابها للحمام المغربي. حصص الشوبينغ...
كل شيء. وأي شيء.
الحقيقة أن تفاصيل حيوات معظمنا أصبحت متاحة على مواقع التواصل. ننشر صورا ومعطيات ما كان يخطر على بالنا، إلى غاية سنوات قليلة مضت، أن ننشرها للعموم...
لكني أعتبر أن هناك دائما حدودا يجب أن نتوقف عندها لكي لا نفقد إحساس ومتعة اللحظة؛ بحجة اقتسامها.
هناك لحظات تستحق أن نعيشها وليس بالضرورة أن نؤرخ لها بصورة.
هناك لحظات تستحق أن نعيشها دون الحاجة لاقتسامها على مواقع التواصل.
أحيانا، وأنت مع أصدقاء، يفتح أحدهم كاميرا التصوير، وقد لا يطلب إذننا حتى، ويطلب منا أن نكون في وضعية الجاهزية للصورة. لكن، هل لدى كل منا الرغبة في التقاط تلك الصورة الآن؟ هل لدى كل منا الرغبة في أن يحتفظ غيرُه بصورته في لحظة هو لا يشعر فيها ربما بأنه مستعد أو راغب في ذلك؟ وكأن الصورة أصبحت من ضروريات الجلسات العائلية أو مع الأصدقاء.
لنسأل أنفسنا: كم مرة عدنا فعليا لتلك الصور؟
أتعلم منذ بضعة أشهر أن أستمتع باللحظات، لا أن أسعى لتخليدها في صورة. بعضنا لا يستمتع بالأماكن في السفر مثلا، بل يبحث عن أجمل الزوايا لالتقاط صورة. أمام تمثال استثنائي أو أمام منظر طبيعي خرافي، البعض يقف منبهرا، والكثيرون يبحثون عن زوايا التصوير. يوما ما، وهم يفتشون في ألبوماتهم الهاتفية، سيعثرون على الصورة وسيبتسمون... لكن، هل سيتذكرون إحساس اللحظة؟ هل عاشوها حقا؟
إنها ليست ماضوية. بدوري ألتقط الصور وأقتسم الكثير منها على مواقع التواصل. لكن، حين يصبح لكل التفاصيل هدف واحد هو اقتسامها على مواقع التواصل، وحين نحرم أنفسنا من حميمية لحظات بعينها، لكي نلتقط الصور؛ علينا ربما أن نتوقف قليلا لنسائل ذواتنا!