في بعض الأوقات الواحد منا بيتملكه الغرور وبيظن إنه قادرعلى حسم رأيه بالنسبة لمعظم المواقف اللي هيقابلها في الحياة، وإنه كبر كفاية واكتسب خبرات كفاية تخلي آراءه ومواقفه محسومة بالنسبة لمعظم المواقف اللي بيقف قدامها البعض محتار.
ضمن لائحة الضحايا
في بعض الأوقات الواحد منا بيتملكه الغرور وبيظن إنه قادرعلى حسم رأيه بالنسبة لمعظم المواقف اللي هيقابلها في الحياة، وإنه كبر كفاية واكتسب خبرات كفاية تخلي آراءه ومواقفه محسومة بالنسبة لمعظم المواقف اللي بيقف قدامها البعض محتار. صحيح إن الحياة والزمن والعمر بيعلمونا أن فيه في الدنيا درجات ألوان كتير، لكن فيه مواقف بنحس ان ما ينفعش فيها غير اختيارين: الأبيض أو الإسود، وإننا لما نقابل المواقف دي هيكون من السهل جدا علينا إننا نختار لون فيهم و نلتزم برأينا ده مهما كانت الظروف. أو هكذا بنفتكر بدافع من تكبرنا وغرورنا وسذاجتنا في مواجهة ما يأتي به القدر..
ثم يأتي حدث ما فتلاقي نفسك عندك لنفسك أسئلة كتيرة جدا، أكتر بكتير من الإجابات.
أنا مثلا كانت دايمًا عندي آراء حاسمة تجاه فكرة حرمة الموت، خاصة نشر صور الضحايا أو الموتى أيا كانت ظروف وفاتهم. بحس إنه حدث لازم يحاط بسياج من السرية، احتراما للميت ولذويه. حتى بث وتصوير جنازات الشخصيات العامة، بحس إنه تصرف فيه قلة احترام لأحزان الثكلى وخصوصية الألم.
لكن تيجي أحداث زي أحداث غزة وترجع تتلخبط كل الآراء اللي فكرتها اتحسمت من زمان.
حرمة نشر صور الموتى مثلا تنزوي قليلا ورا الرغبة في إثبات
عدد القتلى وكثافة القصف ونوعية الأسلحة المستخدمة.
الألم اللي بيسببه رؤية كفن صغير أو طفل رضيع قتيل، هل من المهم تجنبه أم إن الأهم إننا نسلط الضوء على جرائم المعتدي، ونوضح استهدافه لمنطقة معروف إن أغلبيتها أطفال عشان نفضح الغرض الأساسي من الحرب؟
وضع ميكروفون أمام وجه طفل على كرسي متحرك ليحكي لنا عن كلمات أخيه الأخيرة قبل ما يفقد حياته تحت الأنقاض. أو وضع طفلة ترتعد أمام كاميرات الأخبار وسؤالها والإلحاح عليها في السؤال عن مشاعرها وقت القصف، وفين كانت أمها، وراحت فين، ويا ترى هتوحشها بعد ما ماتت والا لأ؟ قد تتحول برضه من لقاءات تليفزيونية لا تراعي أدنى درجات الإنسانية إلى الطريقة الوحيدة المتاحة لإثبات مدى الإجرام في حق الطفل وأخيه، وتوثيق تيتم الطفلة ومقتل أمها، ومنح الفرصة لأصواتهم للوصول لآذان شخص ما على الطرف الآخر من العالم، يمكن يدفعه لإنه ينزل يتظاهر ويضغط على السياسيين المهتمين بصوته في الانتخابات للقيام بدورهم في إيقاف كل هذا الجنون.
الأحداث والفظائع الكبرى اللي الإنسان بيظن إن مافيش قدامه غير التفاعل معاها والشعور بمشاعر واضحة وحاسمة وذات لون واحد تجاهها زي :( الحزن، الخوف، الألم، الخذلان، تأنيب الضمير)، بتسيبنا في النهاية مع أسئلة محيرة، عن المفروض والواقع، والصحيح والأصح، والجائز والمشروع، وما تقتضيه الضرورة في مقابل ما نظنه أبسط قواعد الإنسانية.
وإلى جانب ضحايا القصف والمنازل المهدمة، والغد المشكوك في طلوع شمسه، تحتل ضمائرنا ونفوسنا ونظرتنا للحياة وتعريفنا للمنطق والواقع والإنسانية، مكانها من ضمن لائحة الضحايا..