في الحرب
جمانة حداد
في الحرب، يصير الضحايا إحصائيّات، والمنازل محض حجارة. في الحرب، تصير مساقط الرأس أهدافاً، ويقاس البؤس كانتصارٍ أو هزيمة. في الحرب، يغضّ المتحاربون طرْفهم عن الأيتام والأرامل والمشرَّدين والنازحين. يتجاهلون الذين قُصفوا وجُرِحوا وماتوا. لا يستوقفهم الأبرياء الذين يعانون، إلى أيِّ جهةٍ انتموا: أولئك الذين لم يكن لديهم أيُّ رأيٍ أو قرارٍ في المصائب التي أُسقِطتْ عليهم إسقاطاً. يطلق المتحاربون على هؤلاء تسمية "أضرار جانبيّة" لا يمكن تفاديها، وتنتقل مدافعهم إلى نقطة أخرى. لا وقت للإنسانية في الحرب. لا وقت للرحمة والشفقة والتعاطف. هذه كلها أشكال ترف لا يستطيع المتحاربون تحمّل كلفتها.
في الحرب معاناة الفرد هي هي، أيّاً يكن المذنب، أيّاً يكن الحافز، أيّاً يكن الطرف، أيّاً تكن النتيجة. في الحرب الضحايا جميعهم يتشابهون: من المستحيل أن ينتصروا، حتّى وإن انتموا إلى الفريق المنتصر. هم يرَون عيون ضحايا الخصم في مراياهم. يسمعون بكاءهم ويعرفون أنّ الدموع تتفجّر من الهاوية عينها. يُتوقَّع منهم تحمّل الخسائر والتزام الصمت، قامعين وجعهم في الداخل؛ ذلك الوجع الذي يتآكلهم شيئاً فشيئاً، كأنّه ورمٌ سرطانيٌّ خبيثٌ أو مسٌّ شيطانيّ. وهل الناجون من الحرب سوى جثثٍ حيّة، أو قتلى مؤجّلين؟
لستُ بطوباويّة. أعلم جيّداً أنّ الحرب ضروريّة في بعض الأوقات، أو أنّه لا مفرّ منها أحياناً. ولكن ما لا يمكنها أن تكونه قطّ في رأيي، هو أن تكون "عادلة". لا يمكن أن تكون هناك "حربٌ على الإرهاب"، لأنّ الحرب إرهابٌ أيضاً. وليس هناك من حربٍ "رابحة"، طالما هناك روحٌ بريئةٌ واحدة قد زُهقت بسببها.
ترى، هل قَدَر هذه المنطقة المشؤومة أن تكون أرض شقاءٍ الى الأبد؟