من الصعب أن تزور بلداً كالمغرب وتتعرّف الى شعب كشعبه من دون أن تترك قطعة من قلبك وروحك في تلك الأرض. لقد كان لي مراراً حظ القيام بذلك، وفي كل مرة، لم تخيّبني تلك الأرض ولم يخيّبني ناسها. في كلّ مرّة، كانت زيارتي رحلة في العقول والمشاعر والأعماق الانسانية أغنتني الى أبعد الحدود، فعدت منها أعمق وأجمل وأرق وأرقى مما ذهبت.
لطالما قلت إن البلد، اي بلد، بالنسبة لي، ليس طبيعته وهندسته ومعالمه الأثرية، بل هو أولا وخصوصا ناسه. ذلك هو المعيار الأساسي الذي يجعلني أتفاعل مع أي أرض أزورها، ويجعل ترحالي فيها ينطبع في مخيلتي وعواطفي الى الأبد. فماذا أقول عن حرارة أهل المغرب، ولطفهم، وثقافتهم، وصدقهم، وعطائهم البلا حدود؟ ماذا أقول عن النساء والرجال الطيبين الذين تعرّفتُ إليهم في كل المدن التي زرتها، والذين استقبلوني دائماً بحب وسعة صدر وفكر نادراً ما لمستها في بقاع أخرى؟ لم ألتق، صدقاً، على مرّ زياراتي المتكرّرة، بإنسان واحد خيّب أملي أو لطخ زيارتي ببقعة يأس أو خيبة، أكان هذا الانسان من المعروفين أو المجهولين، من الشباب أو من المتقدمين في السن. أما النساء المغربيات، فحكاية أخرى: حكاية عنوانها العنفوان والقوة والثقة والمعرفة، وارادة الكفاح في سبيل حقوقهن وكرامتهن. ومن له مثل هذه الارادة لا يخيب، مهما كانت الدرب شاقة وطويلة.
لأجل ذلك أشعر أن الزلزال المدمّر الذي ضرب تلك الأرض وناسها أخيراً ضربني أنا شخصياً، وأن خسائرهم خسائري، وموتاهم موتاي، وبيوتهم المهدّمة بيوتي، وحدادهم حدادي أنا. وكم تمنّيتُ لو أستطيع أن أطير الى هناك وأعانق كل من فقد ابناً أو أمّاً أو بيتاً، وأهمس في آذانهم: يا أهل المغرب، أهلنا، نحن معكم وقربكم.
يا أرض المغرب، نبغيك.