كم من الناس في قلبي! كثرٌ حدّ أنهم يعصون على العدّ: رجال ونساء، شباب وكبار في السن، من بلادي ومن أصقاع بعيدة، معروفون ومجهولون.
كم من الناس في قلبي! جمّعتهم على مرّ السنين والاسفار والمصادفات، مثلما يجمّع آخرون كنوزاّ وأموالاً. هنّ وهم مجوهراتي، رأسمالي، ضماني في اوقات الشدة وضوئي الابيض في يومي الأسود. أراهم بوضوح كلما أغمضتُ عينيّ. بعضهم يتسامرون قعوداً، البعض الآخر يتمشّون بتوتّر (هؤلاء خائفون على مصيرهم)، وثمة المستلقون باطمئنان على عشبه الاخضر، يقرأون كتاباً. هم يضخون الدماء دورياً في عروقي، وهذه، كما نعلم، ليست بالمهمة السهلة. تارة يتخانقون، وطوراً يتناقشون حول ضرورة انشاء نقابة لتنظيم الدوريات. ثم هناك اثنان يتأرجحان على الثريا الكريستال، اعترف انهما المفضلان لدي.
كم من الناس في قلبي! أحيانا أخشى أن ينفجر قلبي هذا لفرط اكتظاظه، لكنه لا ينفجر، بل دائما، دائما يرحّب البعض (هم قلّة) غادروا على مرّ الوقت وتغيّر الاحوال. هناك أيضاً مجموعة صغيرة تقلقني، لا تني تنظر من النافذة وتتهامس، متسائلة ما اذا كان الطقس أجمل في الخارج. (عليّ ان اقفل هذه النافذة في شكل نهائي). أحبّ، على وجه الخصوص، أولئك الذين لا يعرفون أنهم في قلبي. الموجودون فيه بلا إدراك منهم، وربما حتى غصباً عنهم. أولئك الذين أحبّهم سراً، من بعيد، بيني وبيني. قد أطلق سراح أحدهم بين الفينة والفينة، لكني، في الغالب، احتفظ بهم جشعاً.
كم من الناس في قلبي! الكثير من الأماكن أيضاً، وحتى الأشياء. تذكرة السفر من رحلتنا الأولى معاً (هل تذكر؟). مهد طفلي الأول، بيبرونة الثاني، والورقة المصفرة التي عليها خط يد والدي.
كم من الناس في قلبي، كم من قلبي في الناس!