في نقاش سفسطائي مع أحد أصدقائي المثقفين المتحيزين للغة العربية دائما وأبدا، كان صديقي بيأكد إن فيه معاني كتير في اللغة العربية لا يمكن إيجاد مقابل ليها يدي نفس المعنى في اللغات الأخرى، معاني زي العفة والطهارة والإيثار مثلا، لا يمكن إيجاد مقابل ليها في اللغة الإنجليزية ، وإن ألفاظ زي decency , pure & Generosity يمكن معاني قريبة لكنها ما بتشملش أبدا كل جوانب المعنى للفظ العربي.
وأنا ككائن مجادل بطبعي، دورت في دماغي وسجل معلوماتي عن كلمات إنجليزية لا يمكن ترجمتها بمعناها الأشمل للغة العربية برضه، لكن ما أسعفتنيش القريحة بكلمات قريبة، حتى لمعت في راسي كلمة empathy
واللي بيتم ترجمتها إلى اللغة العربية باستخدام كلمة مواجدة أو تماهي. والحقيقة ان الكلمتين مش بيوصلوا للمعنى المقصود من الكلمة بشكل كامل برضه، فمافيش حد أحسن من حد.
ثم انتقل بينا الحديث للمعنى ده وطريقة تواجده في المجتمعات العربية. وتوصلنا إلى إن معنى زي: المواجدة" وهي ما يعني إنك تحس إنك واقف جنب شخص في ظروف عصيبة وتشعر بألمه وكأنك هو ،" يمكن مش متواجد كتير في حياتنا اليومية، لكن اللي موجود أكتر هو فكرة "التماهي"، وهي إنك تتبنى وجهة نظر حد وتدافع عنها باستماتة وكأنك هو، وللأسف فالناس في حينا الطيب دايما بيتماهوا -ولأسباب مجهولة مع الطرف الأقوى، الجاني، أو المجرم- .
شوف مثلا كل خناقة بين رجل ومراته بيعتدي فيها الرجل عليها بالضرب، هتلاقي الناس فورا ينبروا لافتراض إن: أكيد هي اللي نرفزته، أكيد عصبته، ما هو مش معقول يعني هيضربها من الباب للطاق كده.
لو غيرنا المثال لأم ضربت ابنها بالسكينة زي ما حصل في حادثة مشهورة، هتلاقي الناس برضه بيتبنوا وجهة نظر الأم ويلتمسوا لها الأعذار قائلين: ماحدش عارف كانت مضغوطة ازاي؟ ما هو برضه فيه عيال تجنن.
لو غيرنا الواقعة لطفل بيضرب كلب بحجر يكسرله رجله، هوب نتحول فورا عشان نبقى مكان الطفل: ما جايز الكلب خوفه، يمكن عضه قبل كده، يمكن عنده فوبيا من الكائنات الحية عموما.
لو بنت تم التحرش بها في الشارع، يتطوع كل اللي واقفين عشان يتماهوا مع المتحرش وتسمع تبريرات مثلا زي: والله أنا لو مكانه لاتحرش بيكي برضه، إنتي مش شايفة انتي لابسة إيه؟
لو موظف اتسرقت محفظته في أتوبيس هتلاقي ألف مين يقول له: ما هو برضه انت الغلطان، حد يركب أتوبيس ومعاه محفظة، ما هو يمكن الحرامي ظروفه صعبة، زي الجعان اللي قدامه حتة لحمة، هيعمل إيه الراجل يعني؟
وهكذا وعلى الرغم من إننا شعوب محبطة ومضغوطة ومحطوط عليها و يتداعى علينا الخلق زي الأكلة على طبق الثريد، إلا إننا بعفوية وتلقائية وبشكل يحتاج إلى دراسة موسعة على طول بنتماهى مع الطرف الجبار، المفتري، المنحرف والمجرم، بدلا من أن تدفعنا الفطرة للتعاطف والتماهي مع الطرف الضعيف المجني عليه الواقع عليه الظلم والبهتان. يمكن لأننا بيكون نفسنا نكون لمرة في موضع القوي المنتصر، يمكن عشان زهقنا من كتر ما احنا ضعفاء ومفعول بنا في حياتنا الشخصية ونفسنا نتخيل إننا في موضع تحكم وسيطرة، ويمكن دي كلها مجرد أمراض نفسية واحنا فعلا فعلا في حاجة إلى علاج.