كمواطنة تعيش في بلد متكدس بالسكان حول نهره الطويل، ساب المقيمين فيه الشقة كله وعاشوا في أوضة واحدة زي ما المسرحية الشهيرة كانت بتقول، أسمع منذ نعومة أظافري أن الزيادة السكانية هي السبب في أي مشكلة كانت في أي مكان وأي زمان ودون النظر لأي جانب آخر من جوانب الإخفاق كعدم الاستغلال الجيد للموارد أو تمطون الفساد أو حتى قطار البيروقراطية الذي يعرقل مصالح الناس مع شروق شمس كل صباح.
سمعت في أكثر من مناسبة اقتراح "سياسة الطفل الواحد" للحد من مشكلة الطفل الجديد اللي بيتولد كل ٢٧ ثانية و اللي بتقولنا التقارير الحكومية أنه منبع كل المشاكل.
كنت أسمع الكلام ده في التليفزيون اللي بيستضيف خبراء يقولوا انه حل معقول، إذا كانت المشكلة في العدد، فلنصدر قانون ولنخفض العدد. ولنعزز القانون ونضمن تنفيذه بحاجات زي حرمان الطفل الثاني من التعليم الحكومي مثلا، أوعدم إضافته إلى بطاقة التموين، أو نخفض نسبة الدعم اللي أهله بياخدوها في الماية أو الكهربا أو البنزين. وده كان آخر ما سمعته من اقتراحات. وكنت شايفة في صغري إن لو هو ده الحل، طب ما ياللا بينا. وما كنتش بافهم قوي ليه الناس دايما تتكلم في الموضوع ده شوية وبعدين تنساه. بس لما كبرت شوية عرفت السبب.
ماهي خطة مصر لمواجهة الزيادة السكانية؟
السبب قد يكون ببساطة لأن فيه دولة عملت التوجه ده بالظبط، والنتائج كانت كارثية على الأقل على المستوى الإنساني. ففي أواخر السبعينات أقر الحزب الحاكم في الصين سياسة الطفل الواحد، وتم تطبيقها بصرامة طول عقود الثمانينات والتسعينات وأوائل الألفينات، زمان كان الأمر مبهم بالنسبة لي حتى شاهدت مؤخرا فيلم وثائقي بيحمل عنوان (أمة الطفل الواحد) وبترصد مخرجة الفيلم فيه صورة أسوأ من أسوأ كوابيسي. عن إجبار الأمهات الصينيات على الإجهاض حتى لو كانوا في شهور حملهم الأخيرة، وقتل الأطفال لو نزلوا لسه أحياء. إلقاء الأطفال دول بعد قتلهم في القمامة كنفايات طبية، هدم بيوت العائلات اللي بتخرق القانون. وخطف أو القبض على النساء وتعقيمهم بالعافية تحت إشراف الموظفين الحكوميين المسئولين عن تطبيق القانون.
إحدى القابلات صرحت في الفيلم إنها قامت ب ٦٠ أو ٧٠ ألف عملية إجهاض. وبتحاول تكفر عن ذنبها حاليا بإنها تساعد الأزواج غير القادرين على الإنجاب. لقاءات مع آباء وأمهات اضطروا يتخلوا عن أطفالهم برميهم في سلال على الطريق، وآخرين باعوهم للمهربين اللي باعوهم عن طريق شبكات تهريب لأزواج أوروبيين وأمريكان.
عدد الأطفال المجهضين و عمليات الحمل اللي اتمنعت بتعقيم الأمهات الإجباري قدرت ب ٣٠٠ مليون عملية. ٣٠٠ مليون طفل لم يخرجوا للنور، وبعضهم خرجوا وبعدين أنهيت حياتهم، من أجل تنفيذ سياسة أثبتت الآن فشلها بعد ما اختلت التركيبة السكانية وأصبح عدد المسنين أضعاف عدد الشباب، وهو ما يعني احتضار أمه مش لاقية شباب يشتغلوا ولا حتى يراعوا كبار السن.
الفيلم خانق وحزين، لكنه بيحمل رسالة مخفية بن طياته، عن المدى اللي ممكن يوصل له الإنسان من القسوة واللاإنسانية مدفوعا بقانون وبروباجندا وشعارات بأن كل ما يحدث إنما يحدث من أجل الصالح العام.
اللهم احفظنا من شرور الإنسان لما بيترك ليها العنان، واحفظنا من عقل الإنسان لما يظن إنه قادر على حل كل المشاكل بالإجبار والحديد والنار . وحسبي الله ونعم الوكيل في الإنسان عموما يا أخي والله!