تداولت وسائل إعلام أمريكية وعالمية أول أمس أخبارا حول إمكانية توقيع اتفاقيات شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة وفيتنام خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لهانوي في سبتمبر المقبل. وما يجلب الانتباه في هذا التقارب هو تزايد سرعة وتيرته في الفترة الأخيرة خاصة في سياق التحولات الاستراتيجية في شرقي آسيا بالإضافة إلى التحول السريع من سياق الحرب التاريخية بين البلدين إلى ما يشبه التحالف.
وبالرغم من أن محتوى الاتفاقات لم يتوضح بعد إلا أن وسائل الإعلام تداولت أخبارا حول شراكة استراتيجية في مجال الرقائق الإلكترونية وفي مجال الذكاء الاصطناعي. ويعد هذا الاتفاق تتويجا لزيارة سابقة هذا العام لكبريات الشركات الأمريكية مثل ميتا وسبايس إكس للعاصمة هانوي. كما يدخل ضمن جهود سابقة تعود إلى فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما منذ سنة 2013. إنه تقارب يقطع مع سياق مخلفات الحرب الفيتنامية التي تركت بصماتها في القرن العشرين. وهو يبقى مفهوما في إطار الثقافة السياسية البراغماتية التي تميز عديد مجتمعات شرقي آسيا. حيث تتم التضحية بالماضي وبالتاريخ مهما كانت جراحه من أجل ضمان حاضر مزدهر. لكن تحولات الوضعية الاستراتيجية في المنطقة قد تعطنا تفسيرا أكثر معقولية للتقارب الفيتنامي الأمريكي.
فتوسع الحضور العسكري الصيني في الخارج بدأ يثير مخاوف بلدان الجوار وخاصة منها الدول التي تنازعها بيكين سيادة بعض المناطق في بحر الصين. وتعد فيتنام من بين الدول التي أصبحت معنية مباشرة برغبة الصين توسيع سيادتها على بعض الجزر المتنازع حولها مثل جزيرة تريتون أين شرعت بيكين مؤخرا في بناء مهبط طائرات كما أرسلت عديد سفن الصيد. وقد ردت هانوي بشدة وطالبت الصين بإيقاف أنشتطها في الجزيرة.
غير أن التحذير الأهم تمثل في استقبال فيتنام لحاملة الطائرات الأمريكية يو أس أس رونالد ريغن في مايو المنقضي مباشرة بعد التوتر حول جزيرة تريتون. ويعني ذلك تقاربا عسكريا قد يؤدي إلى تعاون عسكري وثيق بين البلدين يقي فيتنام خطر توتر مع الجارة الصين. والملاحظ أن هذا التخوف الفيتنامي من العقيدة الحربية الصينية الجديدة لا يتوقف على الحالة الفيتنامية، بل يشمل عديد الدول مثل بروناي والفلبين وأندونيسيا وماليزيا. فجل هذه الدول متخوفة من ادعاء بيكين لسيادة تاريخية على البحر الصين.
الواضح إذن أن التقارب الأمريكي الفيتنامي يتم على وقع إحساس بالخطر لدى عديد دول المنطقة جراء توجهات شي جين بينغ التوسعية. وإن لم تراجع الصين هذا التوجه فإنها سوف تزيد من الحضور الأمريكي في جوارها.