يفصلنا ما يزيد على نصف قرن من الزمن بين زيارة هنري كيسينجر الاولى الى الصين وزيارته الحالية التي ارادها مبادرة لمنع الصدام بين العملاقين العالميين .
تغير الزمن كثيرا منذ قيام هنري كيسنجر ، مستشار الأمن القومي آنذاك ، بزيارة سرية إلى بكين في يوليو 1971 من اجل تأسيس علاقات بين واشنطن وبكين، وتمهيد الطريق لزيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية للعاصمة الصينية في العام 1972.
وهذه المرة في مهمة تأتي بناء على مبادرة شخصية ربما تكون الاخيرة في سجله الحافل، لم يتردد كيسينجر ابن المئة عام في التحرك من اجل السعي لكي تكون " العلاقات الاميركية - الصينية محورية بالنسبة للسلام في العالم"،
قام كيسينجر احد ابرز دبلوماسيي القرن العشرين باكثر من مئة زيارة الى الصين وكان عن حق مهندس التقارب التاريخي الصعب المنال للوهلة الاولى .لكن الان لا يكفي بالطبع ان يصف الرئيس الصيني شي جينبينغ، وزير الخارجية الأميركي الأسبق العزيز هنري، بـ"الصديق القديم"، لكي تعود المرحلة الذهبية في خضم التوترات المتصاعدة . والدليل الاكبر على ذلك كلام السيد وانغ بي ، كبير مسؤولي الشؤون الدبلوماسية بالحزب الشيوعي الصيني ، على أن "سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين تحتاج إلى حكمة دبلوماسية على غرار دبلوماسية كيسنجر وشجاعة سياسية على غرار شجاعة نيكسون" ، وهذا غمز مباشر من قناتي ادارتي بايدن وترامب
ليس من الاكيد ان ينجح الدبلوماسي الاسطوري في مسعاه، لكن يمكن القول انه بالنسبة للنجم السياسي الاميركي تستحق التحديات الكبرى العناء، خاصة انه لطالما ركز على وجود تهديدين اساسيين للاستقرار العالمي في هذا العصر وهما : المواجهة المفترضة بين الصين والولايات المتحدة من جهة، والقوة والتأثير المتناميان للذكاء الاصطناعي من جهة أخرى.
أما سبل مواجهة هذين التحدّيين المتعاظمين، فيمكن أن تتوقف على سؤال أعمق أشار إليه السيد كيسنجر لأول مرة منذ ثلاثة عقود، وهو: كيف تختار الولايات المتحدة طوعاً الانخراط في نظام عالمي جديد لم يعد بإمكانها تصميمه أو السيطرة عليه كما فعلت خلال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؟ وما الذي تريده أميركا من العالم وهي لم تزل القوة الرائدة فيه؟ وهل سيمكنها الخروج من الحلقة التاريخية التي تدور فيها نحو التوسع المفرط من جهة أو الانعزال من جهة آخرى، كما يرى السيد كيسنجر؟
بالفعل يوجد العالم على مفترق طريق كما بقول الرئيس الصيني وهكذا لا بد للولايات المتحدة والصين حسب كيسنجر من ترتيب اليات التعاون البناء والتعايش السلمي وتجنب المواجهة. لكن ذلك يبقى رهانا لا اكثر في المرحلة الراهنة