أحب دائما أن أستمع إلى قصص المهاجرين الذين أدرس معهم اللغة السويدية، كل شخص لديه قصة من الممكن أن تصبح رواية شيقة.
هذا الأفغاني الذي يرتدي قميصاً أحمر، يبدو خجولا قليلا، دائما ما يمزح بأن شكله يشبه الصينيين، قال بأن بلدته على الحدود مع الصين. هذا الشاب لطيف جداً جلس بجانبنا ليحكي لنا كيف أنه أتى للسويد في رحلة صعبة قبل خمس سنوات أو أكثر، ولكنه بعد ذلك ذهب لألمانيا ثم استرجعته السويد. قال بأنه عمل في عدة مجالات منها الرعاية المنزلية، ولكنه ذكر بأنها أسوأ الأيام بالنسبة له حيث كان يضطر لتنظيف الكبار في السن، وعرف بأن هذا العمل لا يناسبه. هذا الشاب لم يتعلم في بلده، ولأول مرة يتعلم الكتابة هنا في السويد. يقول بأنه عندما أتى لم يكن قادراً على التواصل، ولا بأي شكل. لاحظت أنه عندما يتحدث ترتجف شفتاه ربما لازال يعاني من آثار الصدمة، وأعصابه ليست ثابتة.
حكى كيف أنهم بعثوه ليعيش في أقصى الشمال، هناك في المناطق شديدة البرودة، ولكنه بعد عام استطاع أن ينتقل ليعيش في استوكهولم. ذكر أنه عمل في المطاعم، والمحلات رغم أن سويديته ليست جيدة بعد، وقال أنه في أوقات كثيرة كان غير قادر على فهم ماذا يقول له العميل.
سألته عن حلمه، وهذا السؤال قد يبدو صعباً علينا كمهاجرين حيث أنك غالبا عليك أن تختار ما تستطيع أن تقوم بفعله الآن لتستمر في البقاء في البلد، وليس ما تحلم بأن تحققه، على الأحلام أن تتأجل.. قال لي بأنه يريد أن يعمل في السباكة لأن ذلك ما يستهويه. شعرت بالسعادة بأنه من السهل عليه أن يحقق حلمه هنا، ويتعلم هذه المهنة.
التفت للفتاة التي بجانبنا، وهي من أصول أفريقية لكنها عاشت في أستراليا، وهي مسلمة جاءت للسويد عن طريق زوجها السويدي الذي تعرفت عليه عبر الإنترنت، درست إدارة الأعمال، ولكنها لم تستطع أن تعمل في نفس مجالها بسبب عائق اللغة.
ذكرت لي كم أنها تحب مجال عملها، وكم تشعر بالحزن في كل مرة يتم رفضها في العمل، ولكنني تفاجأت عندما سمعتها تقول للمعلمة بأنها ستدرس التمريض لأنها تحب الاعتناء بالناس، ربما اقتنعت أن هذا المجال من الممكن تحقيقه بينما العمل في الإدارة سيأخذ وقتاً طويلاً، وربما هي فعلا تهتم بالناس، وهذا العمل يناسبها.
عندما سألت المعلمة الطلاب عن العمل الذي يريدون القيام به، الكثير منهم ذكر بأنه سيغير مجال عمله لمجال آخر، منهم من لا يزال صغيرا في العمر، وربما مستقبلاً سيستطيع تغيير مجاله لمجال آخر يحبه، ومنهم من قد لا يسمح له الوقت بذلك، ولكن بكل الأحوال حققت لهم الغربة أشياء أخرى لم يجدوها في دولهم، ولذلك هم هنا. السعادة في هذه الحياة نسبية، وما أتمناه هو أن يكتب كل مهاجر نهاية سعيدة لقصته يحقق فيها كل أحلامه.