بعد فترة من الهدوء الذي عرفته أفريقيا على مستوى الانقلابات العسكرية لمدة عشريتين أو أكثر، تحركت من جديد وتيرة الانقلابات خلال السنوات الأخيرة لتعيد من جديد شبح عدم الاستقرار السياسي. غير أن الموجة الجديدة تختلف كثيرا عن جيل الانقلابات السابقة. فنحن إزاء جيل جديد من الانقلابات في أفريقيا يختلف محتواه السياسي وكذلك سياقاته.
فالجيل القديم من انقلابات أفريقيا التي غطت الأحداث خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كانت عموما انقلابات ضد شخصيات دكتاتورية كانت بدورها قد وصلت عبر الانقلاب العسكري. وعادة ما كانت متهمة بالتواطئ مع الغرب كي يكتسب الانقلاب بعدا تحرريا. أما الجيل الجديد فيستهدف إما رؤساء انتخبوا ديمقراطيا، كما حصل في مالي ومؤخرا في النيجر، أو يستهدف مسارا للدمقرطة كما حصل في السودان. فهي انقلابات ضد الديمقراطية بدعوى استعادة الأمن ومحاربة الفساد.
وتستفيد دعاية الانقلابيين عادة من حالة الوهن التي تبدو عليها السلطة في السياقات الديمقراطية وسياقات حرية التعبير خاصة في مجتمعات لازالت تَعْرف السياسة بالقوة. ففشل بناء دولة قوية تنتشر مؤسساتها في كامل تراب البلاد مع الفشل في إنجاز تنمية اقتصادية إدماجية، ساهم بشكل فعال في إعطاء زخم بشري وسند شعبي للانقلابات الأخيرة. ذلك أن الديمقراطية تبقى هشة إذا ما لم يلمس منها المواطن العادي في أفريقيا تحسنا في حياته اليومية وفي قوته.
أما السياق الثاني الذي يبدو أنه لعب دورا حاسما في تزايد عدد الانقلابات العسكرية في أفريقيا مؤخرا فيتمثل في تزايد التأثير الروسي في منطقة الساحل الأفريقي بالخصوص. إذ تقوم شركة مليشيا فاغنر بدور كبير للجهات الرسمية في موسكو سواء باتصالها المباشر بالعسكريين أو بالقيام بدعاية مضادة على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد ركزت فاغنر هذه الدعاية على الوجود الفرنسي مستغلة تركة الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية على الوجدان الافريقي اليوم لتهدد الوجود الفرنسي هناك.
أما السياق الجديد الآخر فيتمثل في توسع نشاط الجماعات الإرهابية الإسلامية في منطقة الصحراء الأفريقية مستغلة عدم الاستقرار السياسي وكذلك الصراعات الاستراتيجية. فقد وجدت بعض الانقلابات مبرراته في تنامي الأعمال الإرهابية لكن في الحقيقة دون أية رؤية لمقاومتها.
هذه مختلف سياقات الجيل الجديد من الانقلابات في أفريقيا والتي مثلت قاعدة لتنفيذها. لكن في نفس الوقت تمثل هذه السياقات تحديا كبيرا للانقلابيين. فعليهم تقديم البدائل التنموية المنتظرة وهذا على ما يبدو صعبا المنال من دولة كروسيا. لذلك يمكن القول أن هذا الجيل من الانقلابات قوس سوف يغلق بعد سنوات قليلة.