يحق للمسؤولين الفرنسيين ان يسألوا عن أسباب تنامي موجة الرفض للوجود الفرنسي في دول غرب افريقيا. ويحق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ان يسال عن سبب عدم التجاوب الرسمي والشعبي في هذه الدول مع محاولاته إزالة سؤ التفاهم بدعوته الفرنسيين الى التواضع تجاه افريقيا معترفا في خطابه في شباط فبراير الماضي.
ولم يخف الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي تناول فيه استراتيجية فرنسا في إفريقيا 2023 ،تراجع مكانة بلاده على الأصعدة الاقتصادية والاستراتيجية.
هذا التراجع ليس وليد الساعة هو حصيلة تراكم أخطاء في مرحلة ما بعد الاستعمار لعل من اكثرها مأسوية الإبادة الجماعية في رواندا. لقد تم تحميل فرنسا جزء من المسؤولية عن هذه الإبادة جزائيا واخلاقيا. ثم جاء قول الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في بداية عهده ان الانسان الافريقي لم يدخل التاريخ بعد كما ينبغي ليحيي في ذاكرة الشعوب الافريقية صورة المستعمر المتغطرس الذي يحتقر شعوب مستعمراته ليجد خلفه فرنسوا هولاند نفسه امام ضغط الاستحقاقات الأمنية في منطقة الساحل على حساب سياسة دعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية في تلك الدول.
لقد اكتسب الانقلابيون في مالي وبوركينا فاسو والنيجر شرعية من الدعم الشعبي الناجم عن تنامي شعور العداء لفرنسا وللغرب عموما. هذا الشعور نابع من تفاقم الفقر في دول القارة الافريقية بسبب تراكم الازمات من الامة الاقتصادية في العام 2008 الى ازمة جائحة كورونا الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية وارتفاع فاتورة الطاقة وقد بلغت حوالي 45 بالمئة في النيجر.
يشعر الجميع بالحاجة الى مخرج من هذه الازمة ولكن لا احد يمتلك الحل . لا اجماع على الحل العسكري لا بين دول مجموعة غرب افريقيا نفسها ولا بين الدول الأوروبية. من خلال تحديد موعد لعقد قمة لمجموعة دول غرب افريقيا يوم غد الخميس بعد ثلاثة أيام على انتهاء مهلة الإنذار للانقلابيين في النيجر، تسعى هذه الدول لترك الوقت الكافي للمبادرة الأميركية التي تنص على تحديد فترة زمنية لمرحلة انتقالية يتم بعدها انتخاب رئيس جديد في النيجر فيما تبدو الدول الغربية متخوفة من ان يؤدي فشل محاولات انهاء الازمة الى توسع نفوذ الجماعات المتطرفة في المنطقة والى جعل افريقيا ساحة جغرافية إضافية للمواجهة بالواسطة مع روسيا والاهم من موجهة هجرة جديدة باتجاه القارة القديمة
لا غرابة في ان تؤيد شعوب دول الانقلاب أنظمة عسكرية معروفة تقليديا بسلوكها الديكتاتوري. ولا غرابة في ان تشعر هذه الشعوب بان روسا حليفتها مع ان سياسة موسكو لا تقوم على تقديم الهبات وهي غير قادرة أصلا على تقديم الدعم الاقتصادي او التكنولوجي.
تريد فرنسا ان تحد من خسائرها في المنطقة ولكن دعمها مجموعة دول غرب افريقيا يظهرها على انها تدعم الحرس القديم في مواجهة انقلابيين يطمحون للتغيير. وهذا واحد من أسباب نقمة الشعوب الافريقية عليها .