لم يفتح انقلاب السادس والعشرين من تموز/ يوليو باب المجهول امام النيجر فحسب ، بل يمكن ان تطال تداعياته مجمل الساحل والغرب الافريقي.
سيمثل التغيير اذا اكتمل تحولا جيوسياسيا انطلاقا من النيجر الذي يبلغ عدد سكانه 25 مليون نسمة وينتج 7٪ من اليورانيوم العالمي، لانه سيقوض بعمق اهم نقاط الدعم للغرب في افريقيا ، وسيشكل ضربة قاسية للمصالح الفرنسية ولجهود الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في محاربة الارهاب.
بالرغم من ان النيجر يعد اخر معاقل فرنسا في " حديقتها الخلفية" في الساحل استنادا الى تاريخها الاستعماري وسياساتها المعاصرة, الا انه ليس من الاكيد ان يتم اختزال الوجود الفرنسي في الساحل الأفريقي بحاجة فرنسا لليورانيوم من هذه الدولة أو تلك. وبالطبع من الصعب اثبات وجود علاقة تلقائية بين مصلحة اقتصادية معيّنة، وبين قيام دولة كبرى بعملية عسكرية واسعة . في حقبتنا اختلفت آليات التدخل الخارجي إذ ان بلدان الساحل شكلت نوعا من الامتداد الاستراتيجي لفرنسا ولدورها العالمي ضمن نادي الكبار . لكن التدخل في المنطقة اعتبارا من 2013 ، نتج عنه حصاد فاشل على الرغم من المساهمات في القتال ضد الجهاديين والمتمردين (خسارة عشرات الجنود) ، وتدريب القوات المحلية و "الأعمال المدنية العسكرية لصالح السكان". وادت موجة الانقلابات منذ 2020 في مالي وبوركينا فاسو الى ارغام باريس على الانسحاب نحو النيجر التي غدت الشريك الرئيسي لفرنسا والغرب.
تزامن التراجع الفرنسي مع نشاط مجموعة فاغنر الروسية الموجودة بالفعل منذ عام 2018 في جمهورية إفريقيا الوسطى من اجل حماية نظام بانغي العسكري ، بحجة مكافحة الإرهاب ، وانتقل هذا الدور الى حماية المجلس العسكري في مالي والانقلابيين في يوركينا فاسو ، وفي كل الحالات ، كانت الثروة المعدنية هي الثمن الذي يجب دفعه مقابل خدمات شركة المرتزقة الخاصة التي تعتبر الذراع الخارجية الضاربة للكرملين، واداة النفوذ الروسي الجديدة.
ان انقلاب النيجر هو ببساطة نكسة كبيرة للغربيين واذا ثبت دعم " فاغنر " له ولو من وراء الكواليس ، يمكن ان يفسر بمثابة رد روسي في افريقيا على الضغط الذي يمارسه الغرب في حرب اوكرانيا
يتوجب انتظار الايام والاسابيع القادمة لمعرفة تطور الوضع خاصة ان النيجر تحتضن اكثر من 1500 جندي فرنسي والف جندي اميركي ومائة جندي الماني وعدة قواعد غربية
يمكن ان يؤدي سقوط النيجر بيد قوى معادية للغرب او اتساع المناطق الرمادية الى اتساع الدومينو في الساحل وليس بعيدا عن السودان الملتهب في سياق صراعات مكلفة ومدمرة للافارقة في المقام الاول.