في تقليد مكافيء لتقليد العيدية أذهب أنا وابني آدم كل عيد لمن يسميه (عمو بتاع اللعب) وهو مش عمو معين يعني، هو أي محل للألعاب غالبا ما يعمل بداخله عمو مالوش في التعامل مع الأطفال ولا عنده موهبة في بيع الألعاب، إنما هي ظروف الحياة اللي رمته ع المهنة دي هي وتصاريف القدر.
العيد ده بعد ما آدم صال وجال في المحل، في ظل مناخ استثنائي من الحرية اللي كنت مدياهاله في الاختيار لا لشيء إلا لإن الدنيا كانت حر قوي وأنا ماعنديش طاقة للفرهدة. وقع اختياره على لعبة المفروض يستخدم فيها الصلصال عشان يشكل شعر لولد وبنت وبعدين يسرحهم أويقص لهم شعرهم. تنفست الصعداء لأنها لعبة رخيصة نسبيا مش محتاجة أرهن كليتي الشمال عشان أدفع تمنها. لكن بمجرد ما عمو لمح في إيدينا اللعبة حتى انقلبت سحنته وهتف في استنكار موجها الكلام لآدم: هي ماما فاكراك بنت والا إيه؟ دي لعبة بنات!. الحقيقة إني لأول وهلة مافهمتش، مالها اللعبة؟ . وراجعت في دماغي كل المحظورات المجتمعية الممكنة، اللعبة مش مرسوم عليها طفل من جنس معين بيلعبها، لونها مش وردي مثلا، ما بتحملش ألوان قوس قزح اللي أصبح بيسبب مؤخرا أرتكاريا للكثيرين. فسألت: مالها اللعبة يا ريس؟، فرد عليا و كأنه بيفحمني، شعر وتسريح وقص، دي لعبة كوافير!. لفيت وأنا أشير من خلال إزاز الباب بتاعه للكوافير الحريمي اللي على الجانب المقابل للشارع: قصدك زي ده يعني؟ طب ما صاحبه رجل وكل اللي بيشتغلوا فيه رجال. بص عمو بتاع اللعب لحظات بدون فهم لمحل جاره ورجع بمزيد من العناد يقول: ماشي الرجل لما يكبر عادي يفتح كوافير، لكن وهو صغير كده، لأ دي لعبة بنات.
طبعا مش محتاجة أشرح اننا أخدنا اللعبة ولما خرجنا من المحل قلت لآدم بعبارات يسهل عليه فهمها، إن مافيش حاجة اسمها لعبة ولاد ولعبة بنات، واللي عايز يلعب بيه هيلعب بيه. وهو حوار خضناه أكتر من مرة لما إحدى الطنطات استغربت مثلا إنه لما بيروح كيدز إيريا بيحب يلعب بأدوات المطبخ ويعمل بيتزا وكيك. وساعتها تاني فكرتها بكل حلواني وكل صاحب محل بيتزا بناكل من عنده بدون استغراب. لما بيمسك عروسة ويأكلها، باضطر أشرح انه إيه المشكلة لو بيمثل إنه أب وبياخد باله من ولاده؟ ! لما بيختار تيشيرت عليه ورود، برضه بنخوض مع أصحاب المحلات حوار: وليه يعني مش مسموح للأولاد يحبوا شكل الوردة البلدي أو وردة الياسمين؟. وأكيد أكيد ما ينزهقش من إننا نوضح للناس إنه لما يقع أو يتخبط من حقه يعيط عادي، وبازود أنا إن الميراث المجتمعي ده هو اللي أنتج لنا رجالة بتكبت حزنها ثم تنفجر في الآخرين بسبب مشاعرهم اللي ممنوعين يعبروا عنها.
مش باقول إن كل حواراتنا دي بينتج عنها تفهم من الطرف الآخر، ولا إننا بنعتبر بأي شكل من الأشكال نواة للتغيير للأدوار والمظاهر الجندرية اللي بيعتمدها المجتمع واللي والله ما جايبنا ورا غيرها هي واللي زيها.
بس عموما هنفضل أنا وآدم نخوض في كل مناسبة ومع كل طنط في الكيدز إيريا ومع كل عمو بتاع لعب حربا مستعدين كل مرة نخوضها حتى ولو لا يعلم عنها أحد شيئا .