كان برفقة زوجته، حين انتبه أنها تتعرض للتحرش من شخص يمشي خلفهما. التفت له وقال: "ألا ترى أنها مع زوجها؟ انظر... هناك عشرات الفتيات الأخريات بمفردهن". رد عليه المتحرش: "بالفعل، هناك عشرات الفتيات... لكن هذه هي من أعجبتني. ولو كنت رجلا حقيقيا، لما خرجت مع زوجتك بهذا الشكل".
بغض النظر عن حقارة المتحرش وجرأته في التعامل بوقاحة لا نظير لها، استوقفني الرد الأول للزوج: "ألا ترى أنها مع زوجها؟ انظر... هناك عشرات الفتيات الأخريات بمفردهن"...
هل يعني هذا أن النساء غير المتزوجات أو تلك اللواتي يمشين في الشارع بمفردهن وبدون الخطيب أو الزوج أو الأخ، هن نساء مباحات للغير وللتحرش وللعنف؟ وهل المانع المنطقي الوحيد للتحرش هو وجود الزوج أو الخطيب؟ بما يعني أن المتحرش يفترض أن يحترم هذا الزوج أو المالك الرسمي للسيدة... وليس السيدة نفسها، بغض النظر إن كانت مرفوقة برجل أو لا؟
سلوك هذا الزوج كان حضاريا إلى حد ما، لأنه لم يتعامل بعنف ولا اتهم زوجته، ضحية التحرش، كما قد يفعل غيره... لكنه في نفس الوقت ترجم منطقا مغلوطا يتبناه الكثيرون. منطق مفاده أن المزعج في التحرش، ليس الإحساس بعدم الأمان وبالعنف الذي تتعرض له النساء الضحايا، بل الأهم والأساسي كرامة الزوج أو الخطيب الذي تعتبر تلك السيدة تابعة له.
إذا لم يكن لها زوج أو خطيب، فلا إشكال... أو على الأقل، فالإشكال أقل لأن ليس هناك "مالك" للسيدة ستنتفض كرامته أو ينزعج من التحرش بزوجته...
التحرش معضلة تعاني منها النساء أولا وقبل كل شيء. معضلة تحرمهن من حقهن في التجول بحرية في الفضاء العام الذي يفترض أن يكون ملكا لجميع المواطنات والمواطنين. كونها متزوجة أو لا، مرفوقة بزوجها أو خطيبها أو لوحدها أو مع صديقاتها؛ لا يفترض أن يغير شيئا من كون التحرش مضرا ومسيئا لها... ضحية التحرش هي دائما السيدة التي تتعرض له، وليس زوجها أو خطيبها أو ابن خالتها أو حارس العمارة. ضحية التحرش هي المرأة التي تتعرض له وليس كرامة الرجل الذي يفترض أنها تابعة له!