يتناول كتاب "الأمومة عند العرب" تاريخ العائلة عند العرب، خاصةً قبل الإسلام، مع التركيز على مفهوم الأمومة (Matriarchat) وتطوّر أشكال الزواج والعائلة. المفاهيم الأساسية وتطور البحث في تاريخ العائلة:

باخوفن (Bachofen): يُعتبر أول من وضع حجر الأساس في هذا البحث عام 1861، بنشره كتاب "حقوق الأم" أو "الأمومة". أحدث هذا الكتاب انقلابًا كاملاً في فهم تاريخ العائلة، حيث كان يُعتقد سابقًا أن الأبوة هي النوع الأقدم للعائلة. رأى باخوفن أن النكاح في المجتمعات القديمة كان فوضويًا وغير محدد (نكاح الاشتراك أو الاختلاط - Hètèrisme)، مما أدى إلى عدم معرفة الأب، وبالتالي حصر النسب في الأم وظهور الأمومة كسلطة اجتماعية للمرأة، قبل الانتقال إلى الزواج الفردي.
ماك لينان (Mac Lennan): ألف كتابًا عن الزواج البدائي (Primitive Marriage) عام 1865. اختلف مع باخوفن في العديد من استنتاجاته، حيث ربط الزواج الخارجي (Exogamie) بظاهرة وأد البنات (قتل الإناث) التي أدت إلى زيادة عدد الرجال وقلة النساء، مما دفع الرجال للزواج من قبائل أخرى وظهور الأمومة. إلا أن المصدر ينتقد أساس مذهب لينان ويعتبره فاسدًا.
مورغان (Morgan): يُعد المؤسس الحقيقي لتاريخ العائلة على دعائم علمية حديثة، خاصة بعد انتشار تأليفه "Ancient Society" الذي قضى على مذهب لينان. أكد مورغان شيوع الزواج النفري (Group Marriage) وقرابة الأم.

الأمومة عند العرب كظاهرة تاريخية:

كانت الأمومة ظاهرة واسعة الانتشار بين شعوب الأرض، بما في ذلك العرب والساميين، وتُرى آثارها الحية حتى اليوم في بعض المجتمعات.
التوتاميزم (Totemism): يشير الكاتب إلى تسمية بعض القبائل العربية بأسماء حيوانات (مثل بنو أسد، بنو كلب)، كدليل على معتقدات توتامية قديمة. في هذه الأنظمة، كان الولد يتبع توتام أمه وليس أبيه، مما يعكس نظام الأمومة.
أصل الأمومة: نشأت الأمومة من عدم معرفة الأب في المجتمعات البدائية التي كانت تتمسك بزواج فوضوي غير مقيد، حيث كانت المرأة تجامع رجالاً مختلفين، فيتبع الولد أمه لكونها الوالدة الوحيدة المعروفة.
أشكال الزواج في الجاهلية:
- نكاح المتعة (أو النكاح الوقتي): كان شائعًا، وهو زواج يتم بعقد لأجل مسمى ويفسخ بانتهاء الأجل دون طلاق. أباحه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ثم نُهي عنه، مع وجود خلاف بين العلماء حول زمن النسخ.
- نكاح الاستبضاع: يطلب الرجل من زوجته أن تجامع رجلاً آخر معروفًا بصفاته الحسنة لينجب منها ولدًا يحمل تلك الصفات.
- الزواج النفري (أو نكاح الاشتراك): تجتمع مجموعة من الرجال على امرأة واحدة يجامعونها، وإذا حملت وولدت، يُنسب الولد إلى من يكثر الاختلاف إليها، أو يحدد الأب عن طريق القافة (متعرفي الآثار).
أدلة أخرى على الأمومة:
- انتساب الولد إلى الأم: كانت قبائل مثل بنو خندف وبنو مزينة تنتسب إلى أمهاتها دون آبائها.
- المكانة الرفيعة للخال: كان الخال (أخ الأم) له مكانة عظيمة في المجتمع العربي، ويُعتقد أن الولد يرث طباعه، مما يشير إلى أهمية قرابة الأم.
- قاعدة "الولد يتبع الرحم": هذه القاعدة الشرعية، التي تنص على أن الولد يتبع أمه في الرق والحرية، تُعتبر بقايا من نظام الأمومة القديم.
وأد البنات والزواج الخارجي والداخلي:
- كان وأد البنات (قتل الإناث) شائعًا في الجاهلية لأسباب مثل الخوف من العار أو الفقر، وقد حرمه الإسلام.
- اعتقد بعض الباحثين أن وأد البنات أدى إلى الزواج الخارجي لقلة النساء، لكن المصدر يرى أن وأد البنات لم يؤثر بشكل كبير على نسبة الجنسين.
- كان العرب يكرهون زواج الأقارب (الزواج الداخلي - Endogamie) لاعتقادهم أنه ينتج ذرية ضعيفة، ويفضلون الزواج من الغريبات لضمان نسل قوي (الزواج الخارجي - Exogamie). إلا أن زواج بنات العم أصبح شائعًا فيما بعد.
حرية المرأة في الزواج والطلاق: كانت للمرأة في الجاهلية حرية كبيرة في اختيار زوجها وطلب الطلاق، كما يتضح من أمثلة مثل السيدة خديجة وأم خارجة. كما تشير المصادر إلى أن عادة زواج الأرملة من أقارب زوجها المتوفى كانت موجودة في بعض القبائل، لكنها لم تكن قاعدة عامة.
استمرارية العادات: بقيت العديد من عادات الزواج والأخلاق القديمة سائدة بين العرب لفترة طويلة حتى بعد ظهور الإسلام، مما يدل على رسوخها في طباعهم.

في الختام، يؤكد الكتاب أن الأمومة كانت نظامًا عائليًا راسخًا عند العرب قبل الإسلام، وأن العديد من العادات والتقاليد التي تبدو غريبة اليوم، هي في الواقع بقايا لهذا النظام القديم.