خلينا نبدأ بإننا نطرح سؤال بسيط: أين يمكن أن تشعر المرأة في الحيز العام بالأمان؟ المفروض إن الإنسان عموما يكون شعوره بالأمان ده هو الأساس. مش من المفروض إنه يفكر مرتين قبل ما يدخل أي حيز جغرافي. لكن لو الإنسان ده امرأة، فالموضوع مختلف.
إنتي بتمشي في الشارع قلقانة من اللي ماشيين حواليكي ليمدوا إيد أو يسمعوكي كلمتين بايخين، تقرري تركبي مواصلات فتعاني من التلزيق، تصرفي قرشين زيادة وتركبي أوبر، لا تسلمي من التحرش ومحاولات الخطف، ولما تستعيني بالله وتلميلك قرشين أو حد من عيلتك يقرر يساعد ويجيبلك سيارة تغنيكي عن كل ده، مجرد وجودك خلف الدريكسيون ده دافع مبرر للبعض للتضييق والتزنيق عليكي ومحاصرتك على الطريق لحد ما تلبسي في أي تريللا قدامك.
وده بالظبط اللي حصل الأسبوع ده بعد مطاردة على طريق سريع تم تسجيلها فيديو عن طريق ولاد الحلال، ل٣ شباب بيضايقوا بنتين في عربيتهم لحد ما بيتسبوا في إنهم يرتكبوا حادثة ويخرجوا منها بإصابات جسيمة.
مشهد أقرب لفيلم أكشن رخيص: عربيات بتتزاحم، سرعات جنونية، صريخ وبنات مرعوبين بيموتوا رعب في لحظة المفروض تكون عادية جدًا من حياتهم، وطبعا بعد كل ده تخرج الصحافة بالعنوان المعتاد اللي بتقول فيه البنات: إحنا والله كنا لابسين كويس. وتخرج أصوات أخرى مجردة من أقل درجات الإنسانية تتساءل: طب هم البنات دول إزاي أهاليهم سايبينهم يقعدوات في كافيه ويشربوا قهوة الساعة ٧ الصبح، ماهو ده السبب في اللي حصل طبعا.
ردود أفعال حقيرة معتادة، زهقنا حتى من تفنيدها أو التعليق عليها، لكن اللي ممكن نعلق عليه في الحادثة دي إن التلاتة المطاردين المرة دي مش مجرد "شباب ضايعين" زي ما اعتادنا. لا هم سرسجية ولا مبرشمين، ولا ممكن يلتمس ليهم العذر زي ما بيحصل في أحوال تانية بسبب خلفيتهم الاجتماعية البسيطة أو قلة التعليم. لأ، ده بسم الله ماشاء الله عليهم، واحد في كلية طب، والتاني في هندسة، والتالت في سياسة واقتصاد. يعني اختصارا ”نخبة“. دول وش القفص بتاع هذا الجيل. وهنا السؤال المخيف: بناءا على الحادثة دي والحوادث الشبيهة، اللي لسه بتحصل بنفس الوتيرة وبدأت تدخل كمان مجتمعات من المفترض انها ذات علم وتفوق، هل ده يعني ان مافيش ولا سنتي واحد تقدم في مسألة مكافحة التربص بالنساء؟ والا أصلا اللي حاصل ده بيدل على إن السيارة ترجع إلى الخلف واللي احنا مقبلين عليه أنيل من اللي كان؟
الحقيقة إن موضوع التربص بالستات ده بقى موضوع مؤلم قوي، والكلام فيه حقيقي ما منوش فايدة. لو مافيش إرادة سياسية لوضع حد وإرساء القوانين، وجعل كل شكل من الأشكال دي عبرة لمن يعتبر. مش هتكون دي آخر حادثة ولا أخطر حادثة وانتظروا بنات تانية هتسيل دماءها على الأسفلت في نفس الوقت اللي بنشوف فيه مستقبل جيل بحاله مرمي جنبهم عبرة لمن يعتبر.
بس هو أصلا اللي بيعتبر مين؟