فتحت حسابي في الإنستغرام، فوجدت إحدى المشهورات تضع صورًا لها وهي سعيدة، ثمّ بعدها مباشرة خبرًا عن ناس تموت وتعاني، ثمّ بعدها مباشرة فيديو آخر لها وهي في رحلة سفر. شعرت بالتشتت ومشاعري أُرهقت خلال دقيقة واحدة. ما هذا؟!
في بداية ظهور وسائل التواصل الاجتماعية كان الفيسبوك خاصًّا بالعائلات والأصدقاء لتبادل الأخبار والصور والتواصل، ثمّ ظهر التويتر الذي كان مكانًا للنخبة لتبادل الأفكار، كانت الحياة هادئة وجميلة.
ثمّ مع بدايات الربيع العربي بدأت السياسة تزداد في الفيسبوك، وأصبح تويتر هو المصدر الأول للأخبار، فكان لا بدّ من إيجاد بديل ومكان لمن لا يريد أن يقرأ عن السياسة، فجاء الإنستغرام وأصبح مكاناً للفاشينستا وتبادل صور البراندات والأكل في المطاعم، وكان هذا جيّدًا، فأنت تعرف أيّ منصة تستخدم سواء إذا أردت أن تقرأ وتكتب عن السياسة أو إذا أردت الابتعاد عنها.
إلى أن حدث تغيّر مفاجئ.. تزايدت الأخبار وأصبحت المآسي "ترندًا" وفجأة أصبح المشاهير في مجالات متعددة -حتى المجالات التي تعتبر مرفوضة اجتماعيًّا- ينقلون هذه الأخبار المؤلمة مما جعل المعجبين بهم يقررون هم أيضا أن ينقلوا الأخبار في الإنستغرام، وهذا جلب لهم متابعين من نوع مختلف وشهرة جديدة.
وتحوّل الإنستغرام لمكان غريب جدًّا، تجد شخصًا ينشر عن حالة مأساوية ثمّ بعدها صورته وهو سعيد "يتنطط"، ثمّ يعود وينشر عن شيء مأساويّ وبأنّه حزين ثمّ بعدها مباشرة ينشر أجواء حفلة ورقص. بالنسبة لي هذا جعلني أشعر "باللخبطة"، هل أنت سعيد أم حزين؟ على الأقل أعطِنا وقتًا بين المنشور الأول والثاني حتى أستعيد مشاعري التي أرهقتها.
لست مختصّة بهذا الأمر ولكنني قرأت عدة دراسات عن التعامل مع الألم كمحتوى ترفيهيّ (Trivialization of Suffering)، تقول في خلاصتها أن "بسبب الأسلوب الذي تُعرض به المآسي (بعضها مع موسيقى، مؤثّرات، أو بين فيديوهين مضحكين)، يبدأ المتابع بتلقّي الألم كجزء من الاستهلاك العاديّ، مثل أيّ محتوى آخر. والخطر أنّ هذا يؤثّر على "الحسّ الإنسانيّ"، ويجعله يتراجع ليصبح ردّ الفعل: تمرير سريع، لايك، ثمّ نسيان".
أليس ذلك مخيفًا؟ هذا يعني أننا مع الوقت سنفقد أيّ اهتمام ويصبح ردّ فعلك على آلام الناس مجرّد لايك تضعه أنت كمتلقٍّ، وترند لمن يريد أن يستخدمه لزيادة المتابعين أو الشهرة، ومع الوقت تفقد شعور التعاطف.