أن تكون تعيسا، لكن مظاهر حياتك تشبه ما يتوقعه منك الآخرون، أفضل عند هؤلاء من أن تكون سعيدا، لكن بمعاييرك الخاصة واختياراتك.
هذه هي القاعدة التي تسير عليها معظم مكونات مجتمعاتنا: الآخرون لا ينتظرون منك أن تكون متناسقا مع اختياراتك الشخصية، مرتاحا مع ذاتك؛ بل أن تسير حسب نمط معين يحدده الآخرون لك.
تقرر أن تعيش بمفردك؟ أنت شخص غير سوي وغير اجتماعي؛ وإن كنتِ امرأة فأنت بالتأكيد منحرفة.
إن كنتما متزوجين وتعيشان اختيارا مختلفا كعدم الإنجاب مثلا، أو تختاران تأتيت البيت بشكل مختلف أو السفرَ بدل شراء المجوهرات والملابس الغالية، فالأحكام الجاهزة ستتناسل بسرعة.
إن كنت غنيا لكنك تختار أسلوب عيش بسيط وملابس في المتناول، فسيتم تقييمك بناء على هذا الاختيار وربما ستُعتَبر بخيلا.
إن اخترت الهجرة أو رفضت الهجرة، إن اخترت الزواج أو العزوبية، إن قررت ترك الوظيفة من أجل الفن أو ترك الفن من أجل الوظيفة، إن اخترت الطلاق... كيفما كانت اختياراتك في الحياة، فسيكون للآخرين رأي فيها وتعليق وانتقاد.
أعرف زوجين سعيدين يحبان بعضهما. لكنهما، لأسباب تخصهما وتخص راحتهما، يفضلان النوم في غرفتين منفصلتين. ورغم أنهما من ضمن أكثر زوجين متحابين عرفتهما، يجمعهما الحب والانسجام والتناغم، فهما لا يسلمان من التعليقات والأسئلة. بالنسبة للأغلبية، المهم أن تعيشا كما نتصور نحن الانسجامَ الزوجي، في غرفة واحدة، حتى لو كان هذا غير مريح لكما. ناما بشكل سيء، لكن ناما في نفس السرير. كونا تعيسين، لكن أعطيانا الصورة التقليدية التي نعرفها.
قد يكون طبيعيا أن تعترينا بعض أشكال الاستغراب أمام شكل من أشكال الحياة التي لم نتعود عليها. لكن التمرين الذي نحتاج للاشتغال عليه هو أن نعلم أنفسنا أن للآخرين، ربما، طريقتهم الخاصة في أن يحققوا سعادتهم. طريقة قد لا تناسب اختياراتنا... لكنها تسعدهم وتناسبهم. والتمرين الثاني الذي نحتاج لأن نتدرب عليه هو أن ننتبه لكون سؤالنا للآخر عن هذا الاختيار أو ذاك، هو ضغط نمارسه عليه... أن ننتبه أن السؤال ذاك، ربما طرحه خمسون شخصا قبلنا... وأن نتذكر أساسا أن الآخر ليس ملزما بأن يبرر لنا اختياراته ما دامت تخص حياته الخاصة؛ أنه يتحمل وحده مسؤولياتها وأن نقبل أيضا أن للآخر ربما تصوره المختلف عن السعادة والراحة.. وأن ذاك لا يعنينا!