إبان َتفاقمِ حربِ غزة وطرح ِضرورةَ ايجادِ افقٍ سياسي للفلسطينيين، صرحَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في شهر فبراير/شباط الماضي وللمرة الأولى أن الاعترافَ بدولة فلسطين “لم يُعد ْمن المحرماتِ بالنسبة لباريس”. وحينما قررت ْثلاثُ دول أوروبية : أسبانيا وإيرلندا والنروج " عبورَ الروبيكون " ( تجاوزَ عائقٍ كبير) والاعترافَ الفوري بالدولةِ الفلسطينية ، لم تكنْ فرنسا على الموعدِ وكان ذلك مستغرباً نظراً لمواقفِ الجمهوريةِ الخامسة التاريخية ازاءَ هذا الموضوع.
وهذا الترددُ عندَ السلطة التنفيذيةِ ليسَ من الضروري ان يكونَ موضع َاجماعٍ، اذ تشهدُ فرنسا انقساما بين دعاةِ الاعتراف ِبدونِ إبطاءٍ بالدولة الفلسطينية في إطارِ الحراك الدولي في هذا الاتجاه، وبين مؤيد ٍلمنحى العمل الدبلوماسي تمهيدا لهذه الخطوةِ التي لا يرى ماكرون توقيتَها مناسباً الان، ويطلبُ أن تتمَ في إطارِ رؤيةٍ "مفيدة" تخدمُ السلامَ المستدامَ في الشرق ِالأوسط. من انصارِ الاعتراف ِالفوري يبرزُ موقفُ وزير ِالخارجية الفرنسية الأسبق والموفدِ الرئاسي إلى لبنان جان - إيف لودريان الذي يعتبرُ ان هذا الاعترافَ أصبح َضروريا إذا أردنا الحفاظَ على حلِ الدولتين حياً، بحدودٍ آمنةٍ ومحترمةٍ”، وركزَ على أنه بدونِ هذه الخطوةِ التي من شأنِها أن “تعطي قوةً جديدةً للحلِ السياسي الوحيدِ الممكن”، فإن الشرقَ الأوسطَ سيظلُ في “حربٍ لا نهايةَ لها”. ويندرجُ في هذا المعسكرِ بعضُ فريقِ حزب ِماكرون، واليسارُ الفرنسي بكل تشكيلاتهِ من الشيوعيين والاشتراكيين وحركةُ جان - لوك ميلونشون اليسارية الراديكالية ، وكذلك الكثيرُ من المثقفين والناشطين. وفي معسكرِ رفضِ الاعترافِ يوجدُ اليمينُ المتطرفُ مع حزبي مارين لوبان و أريك زمور ، وكذلك حزبُ الجمهوريين اليميني .
ازاء اعترافِ اكثرِ من ١٤٥ دولة بينها احدى عشرَ دولةً أوروبية ، باتت هذه المسألةُ تؤرقُ الدبلوماسيةَ الفرنسية َالتي تفتش ُعن التمهيدِ لهكذا خطوة.في هذا الصددِ جاءتْ مكالمةُ الرئيسِ الفرنسي مع رئيسِ السلطة الفلسطينية محمود عباس. حيث طالبتْ باريس بإصلاحِ السلطة الفلسطينية لتضطلعَ بتحدياتِ المرحلة . وتحاولُ باريس ان يكون َالمدخلَ من خلالِ ترتيب حوارٍ اوروبي - عربي حولَ الموضوعِ من اجلِ ان يتزامنَ اعترافُ باريس مع اعترافِ شركاءَ اوروبيين اخرين .
تؤكد تطورات التموضع الرسمي لباريس حيال النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني إلى نسيان واهمال البعد التاريخي للدور الفرنسي أوروبياً وغربياً حيال " الدولة الفلسطينية". أياً كانت اسباب التأخر. يمس موقف باريس المتردد صوة فرنسا في الكتير من أنحاء " الجنوب الكلي" وما كان يسمى " سياسة فرنسا العربية" منذ شارل ديغول وفاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران وجاك شيراك.