دائمًا ما يحكي كيف أن هذا العالم تحول لمكان بائس، ثم يرفق ذلك بمقولات كئيبة لنيتشه، ويأخذ السيجارة بطريقة تراجيدية، وينفخ الدخان، ويقول: "هذا العالم لم يعد صالحًا لأمثالي". ينام معظم يومه، ثم يصحو ليشرب القهوة، ويفتح تلفونه ليكتب كلمات منمقة عن قهوته، وصعوبة الحياة، يصوّر أيضًا أحد كتبه، ويختار الكتاب الذي يحمل عنوانًا معقدًا لكي يبدي لمتابعيه بأنه مثقف عميق، ولكي يتأكدوا من ذلك عليه أن يختار أكثر جملة معقدة في الكتاب، ويكتبها على صفحته في الفيسبوك لعل هذه الجملة تجعلهم يعرفون مدى عبقريته.
يرى الفقر شيئًا جميلًا، ودليلًا على أنه إنسان جيد، وليس سيئًا مثل هؤلاء الذين لوثوا أيديهم بالأموال. يتذكر بأن عليه أن ينظف غرفته التي لم ينظفها منذ شهر، ثم يتذكر أنه لم يستحم أيضًا منذ أيام، ثم يتذكر بأن ليس لديه إيجار الغرفة لهذا الشهر، ثم يقول لنفسه: "أمثالي لا يتم تقديرهم في هذا العالم البائس". يأخذ سيجارة أخرى، ويتذكر أن عليه أن يشتري علبة جديدة، فلم تتبق له الا سيجارتان.
يفتح التويتر x، ويبحث عن "مساحة" ليتحدث فيها لعل وعسى أن يجد من سيفهم ماذا يقول، فجميعهم أغبياء في نظره، وهو فقط من يحمل كل الحقيقة. يفتح اليوتيوب، ويجد شبابًا مختلفين عنه، فيقول لنفسه: "ما هذا الذي يقولونه؟! إنهم يتحدثون عن الأكل الصحي والإيجابية يا لهذا الهراء، هؤلاء السذج الذين لا يفقهون شيئا في الحياة، النصّابون"، ثم يلمح بينهم شخصًا كان زميله في الجامعة، يتذكر مرة ثانية أن موعد الإيجار اقترب، يفكر قليلاً ربما عليه أن يتواصل معه، فكل من يعرفهم يرفضون إقراضه المال بسبب عجزه عن رده، يتحدث بصوت منخفض، وكأن هناك من يسمعه: "لنرى هل هذا الوغد الذي يكذب على الناس بكلماته الإيجابية سيثبت إيجابيته، ويساعد صديقه القديم".
يبحث عن اسم صديقه في الفيسبوك ويرسل له رسالة يقول فيها: "هل تتذكرني؟ أنا صديقك الذي كان الجميع يغار مني بسبب تفكيري المتقدم عن تفكيرهم، ولكنني أتذكر أنك كنت طالبًا مجتهدًا، ومختلفًا عنهم، علينا أن نلتقي قريبًا، فصديقك القديم يحتاجك في خدمة". يرسل الرسالة، ثم يعود لليوتيوب ليشاهد المزيد عن زميل المدرسة الذي تبدو عليه الصحة، والرخاء، ويعيش في بيت جميل، يلتفت حوله ليرى بيته المكدس بالأوساخ ثم يقول مشمئزًّا: " هذه الحياة ليست عادلة"