ماذا يقول فعلياً طلاب جامعة كولومبيا وسواها من الجامعات الأميركية الأخرى التي تشهد اعتصامات واحتجاجات متواصلة واسعة النطاق على ما يجري في فلسطين؟
ثم ماذا يقولون حيال حملات القمع والاعتقالات والعنف والملاحقة ومحاولات الترهيب والإسكات، إن من جانب الإدارات أو من الشرطة؟
هم يقولون، بكل بساطة، ما يجب أن يقوله العالم أجمع اليوم وبصوت واحد: لقد طفح الكيل. كيل الظلم، كيل الترهيب، كيل الجور، كيل الطغيان، كيل المجازر الجماعية، كيل قتل الأطفال والأبرياء، كيل الحرمان، كيل التشريد، كيل سرقة الأرزاق والأراضي والبيوت والأحلام، كيل المحاصرة، كيل التجويع...
هؤلاء الطلاب، وبعض أساتذتهم أيضاً، يعلموننا درساً كبيراً في الشجاعة، في الثبات، في الكرامة، في الوقوف الى جانب الحق والعدالة والإنسانية في وجه البطش والتخويف وكمّ الأفواه.
يعلموننا أن القدر يصنعه البشر. شرف البشر. حفيظة البشر. قرف البشر. إرادة البشر. لقد تفجر نبع الغضب على الاستبداد والتحيّز، وما عاد يحتمل الضغط على فمه.
هذا الذي يحصل هناك، يُشعرني بأن كراماتنا البشرية، كأفراد وشعوب عربية، تمسح بعضاً من عارها الكبير، هذا العار الذي يكتفي غالباً بالاستنكار والبيانات والكلمات التي لا تقدم ولا تؤخر. علما أن الصمت المهين هو تقريبا اللغة الوحيدة التي يعتصم بها العالم العربي، حيال ما يجري في فلسطين.
يا أيها الطلاب الشجعان، سلامي اليكم، سلامي الى غضبكم، سلامي الى الأمل الذي تعيدونه إلينا بأن ثمة ما لا يزال يستحق الحياة على هذا الكوكب، رغم كل التوحّش والبربرية والعنصرية والكراهية، رغم سيادة المال والمصالح، رغم هذه الجهنّم التي نعيشها منذ عقود.
استمروا، استمروا، لعل عدواكم تصيب العميان والمتعامين، المخدرين والمتواطئين، الى أن يأتي يومٌ ننعم فيه جميعاً بالسلام والكرامة والحرية، في فلسطين، وفي لبنان، وفي كل أرضٍ يستولي عليها الظلم ويمارس أبشع أنواع العبوديات.