أهلا أهلا بالعيد، مرحب مرحب بالعيد. وعلى الرغم من كل ما يرتع في الدنيا من جنون، وعلى الرغم مما نلاقيه يوميا من غلظة وجلافة وتوحش يكاد يشككنا في جدوى الوجود، وضرورة الصمود، وقيمة الاحتفال
وعلى الرغم من إننا كشعوب نميل في أحيان كتيرة للنكد والأفورة. فستظل نار الدنيا في حاجة إلى نسمة هواء تلطف من زمهريرها، وإن جاءت تلك النسمة عن طريق بسمة أو ضحكة أو احتفال فأهلا بيها يعني، حد يزعل أو يمانع؟
بس عادي، فيه ناس بتزعل وتمانع. قبل رمضان كان فيه آراء كتير بتقول بلاش تحتفلوا برمضان السنة دي يا جماعة، عيب ما يصحش تعملوا كنافة وقطايف، ولا تتفرجوا على برامج ومسلسلات، تأدبوا، انتم مش شايفين اللي بيجرى لاخواتنا جنبنا. ثم إذ بينا نفاجأ بإن اخوتنا اللي جنبنا أصلا بيعدوا العدة على قدر ما يتاح ليهم من استعدادات لرمضان. بل إني قريت تقرير صحفي عن وجود سوق لبيع وشراء حلقات مسلسلات رمضان المصرية حلقة بحلقة وقت نزولها، والرواج الأكبر كان للمسلسلات الكوميدية.تخيل معايا شاب بيشتري حلقة مسلسل، تتنقل له على موبايل مشحون بالعافية، جالس في بيت مهدم أو مهدد بالهدم محاولا إنه يخطف من عمر الزمن هدنة دقايق يفتكر فيها البشر كانوا بيضحكوا "ازاي! المثال الحي لأبيات الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا.
واحنا كمان نحب الحياة ، كمنطقة وشعوب وثقافة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، عدت علينا حروب ومآسي وأوبئة ومجاعات، وكما يقول المثل الشعبي، ياما دقت ع الراس طبول. صعب جدا في أحلك الظروف اللي بتمر بينا أو بآخرين يعزوا علينا نتخلى عن تمسكنا بالاحتفال بأي مناسبة معدية، ده احنا حتى أحيانا بنتلكك عشان نحتفل ونعمل أكلة مخصوصة للاحتفال، وهوب تبقى تقليد بنلتزم بيه بشكل يكاد يكون مقدس مهما كانت الظروف المحيطة حالكة السواد، ومهما كانت الأكلة ذات نفسها ممكن تقلب الدنيا سواد: (أنظر باب الرنجة والفسيخ في شم النسيم والتحذيرات السنوية عن مدى خطورتهم وتجاهلنا التام لكل التحذيرات). بل إننا ساعات بنعمل أكلات احتفالية لأحداث مأساوية برضه من باب التلاكيك: (أنظر باب حلوى أم علي اللي اتعملت احتفالا بإن واحدة سلطت على واحدة تانية الجواري يموتوها ضربا بالقباقيب).
ثم إن الاحتفال في حد ذاته وكأنه غصن أخضر بينبت بين الركام. بيقول للي تكالبوا علينا إننا ما انتهيناش، ما يأسناش، وعارفين إن هييجي يوم قريب نرجع فيه نعيش كما يعيش البشر، ونسعى ونحلم ونتعب ونضحك بملء أفواهنا. حاجو بتقول: إحنا هنا، ما فقدناش الأمل في بكرة وما انتهيناش. وده شيء بيحرق دم أعداءنا بالمناسبة، حاجة كده زي التكبيب اللي بتكببه الستات في المناطق الشعبية وقت الخناقات.
قضينا رمضان ولسه قادرين نحس ببهجته، واحتفلنا بأيام العيد وصلينا، وتبادلنا التهاني، ودفعنا العيديات وأكلنا الكحك والبسكويت، عشان احنا هنا و هنفضل هنا، وهنفضل محتفظين بحب الحياة، إذا ما استطعنا إليها سبيلا.