أتأمل النقاشات حول تعديل مدونة الأسرة في المغرب، وأنا منقسمة بين ألم وابتسامة... ألم وأنا أرى تشبث البعض بأفكار وقيم وممارسات لا يمكن القبول بها في مغرب اليوم: تزويج الصغيرات، حيث يعتبر الكثير من مناهضي التعديل أن سن 14 سنة مناسب للزواج، ويقول بعضهم إن الأساس ليس البلوغ وإنما القدرة على الجماع!
هوس ذكوري بالجنس مع الطفلات، إذ أي قدرة على الجماع وأي رغبة جنسية لدى طفلة؟ لكن، من تحدث عن الرغبة؟ حَمَلة هذا الخطاب لا يعترفون بحق النساء في المتعة والرغبة الجنسية! الاغتصاب الزوجي عندهم بدعة غربية تهدد الأسر المغربية.
يعتبرون المساواة في الإرث تهديدا للدين. فهل سيصبح الشخص أقل إسلاما حين يتساوى في الإرث مع أخته؟ بل أنهم يكذبون على الدين حين يقولون إن هناك حالات كثيرة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وحين تسألهم عنها، يقدمون حالة ترث فيها الابنة والزوجة أكثر من قريب آخر للميت، في مغالطة وكذب بيّن، مادام مستوى القرابة ليس نفسَه. ويكذبون على الله حين ينسخون آيات الوصية جميعَها بحديث نبوي مشكوك أساسا في صحته وسنده. بل حتى لو كان صحيحا، متى كان الحديث ينسخ القرآن؟ ويتشبثون بالتعصيب، ومعظمنا عايش الكوارث الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية لتطبيقه في واقعنا الحالي.
أتأمل كل هذا بألم وابتسامة وأتساءل: حين تم إلغاء العبودية من القوانين والمجتمعات التي سبقتنا، هل وقعت نفس أشكال المقاومة؟ وهل خرج عشرات الأشخاص يعترضون على تغيير دين الله وضد الاعتراض على آيات صريحة؟ لكننا اليوم، باستثناء بعض الأفكار المتطرفة، ننخرط في مجتمعات لا يمكنها أن تقبل فكرة شراء وبيع البشر وامتهانهم إنسانيا واجتماعيا وحقوقيا وجنسيا.
وحين تم إقرار تعليم البنات، ألم تخرج نفس أشكال المقاومة والرفض والتهديد وشعارات الخوف على قيم المجتمع وتهديد الأخلاق وقيم الأسرة؟
الحقيقة أن سيرورة المجتمع في تغير مستمر، بممارساته وقيمه وقوانينه. الحيف ضد النساء هو واقع أكيد لا تنكره إلا عقلية ذكورية أو راغب في الوصاية أو مطبِّع مع العنف والظلم.
لا نعرف بعد ما قد تقدمه الصيغة الجديدة لمدونة الأسرة من تعديلات. لكن، يوما ما، ستقرأ عنا الأجيال المقبلة وستضحك مستغربة من واقعنا اليوم ومن نقاشات تصر على الحفاظ عليه كما هو!