اليوم، في عيد الأم، أفكّر فيكِ أيتها الأم الثكلى. أفكّر فيكِ أيتها المفجوعة تبحثين عن ضناكِ بين الحطام، فلا تجدين ضناكِ. تنادين ابنكِ لكي يعود الى البيت لأنّ "العشاء جاهز يا حبيبي"، فلا يردّ الابن، وتبرد وجبة العشاء المتواضعة على الطاولة. أفكّر فيكِ، نعم، تحلمين بأنكِ تسرّحين شَعر صغيرتكِ، ثم تنتبهين أن الصغيرة نامت وشعرها منكوش، وأن الفرشاة سحقتها جدرانُ غرفة النوم التي انهارت على سريرها. آه من وجعكِ أيتها الأم، آه من وجعكِ الأعلى من هدير الطائرات ودوي القذائف وصراخ الجيران. وجعكِ هذا الذي يكرّ كمسبحة، حبة وراء حبة وراء حبة، في يد الزمن، وكأنه لن ينتهي.
اليوم، في عيد الأم، أفكّر فيكِ أنتِ خصوصاً أيتها الأم الفلسطينية. أفكّر في حرقة فؤادكِ، في إعياء جسدكِ، في خراب روحكِ التي صارت كلّها، كلّها، جروحاً وكلوماً وندوباً، فلم يعد فيها فسحة للبهجة إذا ما أتتكِ البهجة في أحد الأيام. ترى ماذا ستقولين لها إذا جاءت؟ إنها تأخرت كثيراً؟ إنك تقايضينها مقابل أن تسمعي، مرّة واحدة بعد، ضحكة زياد وتأتأة مريم؟ مريم التي لم يتسنّ لها أن تتعلّم الكلام، ولا المشي، ولا اللعب، قبل أن يخطفها الموت منكِ...
اليوم، في عيد الأم، أنت بطلتي يا أمّ فلسطين. ليس لأني أمجّد الخسارة والحزن والموت، لا. ولا، خصوصاً، لأن قدركِ الوحيد هو الفقدان والبؤس والهلاك. ولكن لأن العيد يليق بكِ، والأمومة تليق بكِ، نكاية بِمَن سرق منك العيد والأولاد. ولأنك أمي أنا أيضاً، وأم كل إنسان على وجه هذه الأرض لم تنعدم فيه الإنسانية.
أرى في وجهك الوحش مدحوراً وراكعاً أيتها الأم الفلسطينية. أرى في وجهك كلّ زياد يقهقه، وكلّ مريم تغنّي، بينما قاتلهما مقهور، هزمته فرشاة شعر تظلّ جديدة مهما طحنها الاسمنت، ووجبة عشاء لا تفتأ تظل ساخنة على مائدة قلبكِ.