في كل عام ومع حلول شهر مارس، نجتمع كأبناء وبنات لنفكر: يا ترى هنجيب لماما السنة دي إيه؟
في صغرنا كانت الهدايا المعتمدة هي الطرحة أو الشنطة أو زجاجة العطر، وبعدها تطور الأمر للأجهزة والأدوات المنزلية كخلاط جديد أو طقم كاسات أو بونبونيرة نحط فيها الشيكولاتة للضيوف بدل المكسورة اللي بقالها ١٠٠ سنة في الصالون، وبعدين لما نكبر شوية كمان، ونتوظف ونشتغل نبتدي نفكر مثلا في موبايل جديد تستخدمه ماما مع بقية أمهات العيلة في تبادل رسائل (جمعة مباركة) و (نهار سعيد) مع باقات زهور جرافيكس يحيطها الجليتر من كل مكان.
لكن إذا فكرنا بعمق شوية وسألنا نفسنا: يا ترى ماما محتاجة مننا إيه؟ غير الكليشية اللي ماما دايما بتردده بتاع: "أنا المهم عندي انكم تكونوا كويسين"، فأظن إن أكتر هديتين ممكن ماما تفرح بيهم (وأنا باقول الكلام ده بناءا على خبرة بعد ما انضميت لفصيل الأمهات) هي :
١- إننا نحل عنها شوية، نشيل نفسنا، لو احنا صغيرين شوية فممكن نبطل نقلقها علينا ونبطل طلبات بتستهلكها على الرغم من إننا كل واحد فينا طول درفة الدولاب أهه يقدر يعمل طلباته بنفسه مش هيخس ولا هيصاب في حادث أليم لو حط هدومه مكانها، أو جاب لنفسه كوباية ماية، أو لم نفسه وقعد ذاكر بدل ما هو ممقق عينه في الموبايل طول اليوم.
ولو احنا كبار شوية فنشيل نفسنا وعيالنا، وما نحملهاش هم كلام عن مشاكل في الشغل أو الأقساط أو المدارس. نشيل همنا في قلبنا وكفاية الست شايلاهولنا بقالها عشرات السنين.
أما الهدية التانية فهي:
٢- إننا نسمعها ونسمع منها. لو كل واحد فينا حاول يفتكر إمتى سمع أمه بتركيز وانتباه، سمع كلام جاي من جوه قلبها، من أعماق عقلها، كلام عن آمالها وأحلامها، أحلامها هي مش أحلامها لينا، كلام عن مخاوفها وقلقها، برضه الخاص بيها هي مش قلقها علينا، عن الحاجات اللي بتسعدها واللي مش بتلاقيها بسهولة من كتر ما هي تكاد تكون دايبة جوه حيواتنا إحنا ما عادش ليها حاجة تخصها لوحدها. والحاجات اللي بتحزنها اللي احنا بنستهون بيها وبنعتبرها حاجات مش مستاهلة وبنقولها: يا ماما انتي مكبرة المواضيع، على مواضيع بالنسبة لها فعلا كبيرة بس احنا مش مقدرين لأنها خارج نطاق اهتماماتنا اللي اتربينا واتعلمنا وكبرنا شايفين مافيش غيرها وإن أمهاتنا جزء منها مش أكتر، بدون ما نعترف بحياة خاصة بيها.
لو كل واحد فينا عد المرات اللي سمع فيها لأمه بجد بتتكلم عن حاجة تهمها ما نكونش احنا جزء منها هيلاقيها يمكن مرات تتعد على صوابع الإيد الواحدة. احنا معتبرين ماما دي بتاعتنا، ماما هي ماما، مش هي سعاد ولا هناء ولاسلوى ولا ماري. هي شخصية في الفيلم بتاعنا. مش بطلة لفيلم قائم بذاته.
ويمكن هي دي الهدية المختلفة اللي تقدر تقدمها لأمك السنة دي، إنك تسمعها وتقدرها وتديها مساحتها الخاصة وتعاملها ولو ليوم واحد كإنسان مستقل له قصته الخاصة اللي تستحق على الأقل تتسمع بتركيز بدون ما نحول الدفة على حكاياتنا إحنا ونغمسها فيها لحد ما تنسى حدودها فين وحدودنا فين.
.
وعموما لو جنب انك تسمعها، جبتلها جنيه دهب والا سبيكة ١٠ جرام، مش هيخسر برضه، وهتبقى برضه مبسوطة بيك وهتدعيلك.