لا أعرف متى سيشفى اللبنانيون من هوسهم الطائفي وتمييزهم الطائفي وكراهيتهم الطائفية ومخاوفهم وانقساماتهم وهوياتهم الطائفية. أقول "متى"، لأني، بطبعي، متفائلة، لكن الحريّ بي أن أقول "إذا". فكيف لشعب أن يتعافى من مرض خبيث كهذا، إذا كان لا يراه مرضاً بل "خصوصية"؟ كيف له أن يتعافى إذا كان يولد ويكبر في مجتمع يتغنّى بالتنوّع والاختلافات ويرددها كشعارات طنانة لكنها فارغة من أي مضمون أو حقيقة، وفي الوقت نفسه ينبذ بعنف كل ما يبني الهوية الوطنية التي توحّد الناس وتجمعهم حول قيم مشتركة؟ كيف له أن يتعافى، أقول، إذا كانت غرائزه الطائفية هذه تستثار كلما دق الكوز بالجرّة، وإذا كان تحيّزه البشع يظهر ويعوي كلما هبّت نسمة هواء خفيفة لامست وإن من بعيد انتماءاته الضيقة؟
بدءًا من قضية طائفة ياسمينا زيتون، ابنة الجنوب التي نالت أخيراً لقب وصيفة أولى لملكة جمال العالم، وصولاً الى قصة الراهبة مايا زيادة التي خوّنت التلامذة الذين لا يصلّون لرجال المقاومة، مروراً بألف موضوع وموضوع مشابه، لا يمكن المرء أن يتابع التعليقات التي يتقيأها اللبنانيون واللبنانيات على مواقع التواصل الاجتماعي عموماً، وعلى تطبيق X أو تويتر سابقاً خصوصاً، من دون أن يشعر بالخجل والعار والهول، بمعزل عن موقفه مما قالته الراهبة. إذ إن كمية الحقد والتحامل والتخوين والانحطاط اللغوي والفكري والأخلاقي وحتى الديني التي تحفل بها هذه التعليقات، تجعل الحالم منّا ببلادٍ ترتقي يوماً ما الى مرتبة أوطان، يشعر أنه أحمق وواهم وساذج، منفصل تماماً عن الواقع.
"نحن هيك واللي مش عاجبو يفلّ": هكذا كتبت إحدى المعلّقات الفذّات على X. لا يا عزيزتي. "ما حزرتي". نحن، جماعة "يلي مش عاجبنا"، سوف نظل نكافح لكي يختفي أمثالك من هذا البلد.