تعلن الشركة العالمية إنها أخيرا جاية لمنطقتنا المحظوظة من العالم، فيتحمس الشباب، ويقيم المستثمرين الأفراح، ويستبشر المجتمع الخير، ونحس إننا قاب قوسين أو أدنى لكيفية معيشة الرجل الأبيض المرفه في عالمه اللي بنبص عليه بحسد من بعيد.
تبدأ الخدمة في الأول زي الفل. الله يا ولاد، اللهم صلي ع النبي، دي حاجة زي بلاد بره بالظبط، إيشي خيال يا ناس. لو مكان فهو بيلمع، لو مقدمي خدمة فوشوشهم تملأها البشاشة، لو خدمة عملا فالردود بحر من الذوق، محيط من اللطف، أنهار تجري من التفهم والتعاون.
ثم يبدأ الحال في التدهور الطفيف، حيث تبدأ أولى مراحل وضع التاتش الشرقي على الخدمة العالمية، تكشيرة هنا، زجرة هناك، عدم اهتمام بالشكوى إلا بعد تكرارها. ونكذب نفسنا ونقول مشاكل فردية، مش لازم نعمم، عادي كل حاجة فيها وفيها يعني.
ثم يبدأ الانهيار الكبير بعد ما تكتمل لمسة التعريب أو التاتش العربي أو بعد ما نخمس بإيدينا الملوثة بعرق الشرق فوق وجه الخدمة العالمية.
فنبدأ في مشوار البرطمة، ثم الطلصقة، ثم الفهلوة، ثم التحايل، ثم التكاسل ، حتى وصول قطار التدهور لمحطته الأخيرة، فتتحول الخدمة المستوردة بسلوفانتها من الخارج ، لوجه آخر من أوجه النصب والإجرام كما حدث مؤخرا لخدمات التوصيل الخاصة، زي أوبر وكريم وإن درايڤ وديدي ومثيلاتهم.
بعد ما كانت الوسايل دي تغيير كنا في أمس الحاجة إليه من تطوير فكرة التاكسي، اللي ما
بيرضاش يقف لزباين، أو بيقف بس ما بيرضاش يروح مكان ما هم عايزين، أو بيضاعف الأجرة حسب مزاجه، ده غير ان سائق التاكسي شخص مجهول، لا يمكن الوصول لأي معلومات عنه لو حصلت أي مشكلة أو حتى في حالة انك نسيت حاجة في التاكسي فلا يمكن هتعرف تلاقيه.
فانتقلنا لشركات بتشتغل بتطبيق على الموبايل، بيلاقيلك هو الكابتن المناسب، بيحددلك الأجرة مسبقا، بيكتبلك معلومات واضحة عن السواق وعربيته وخط سير الرحلة ونمرة طواريء تتصل بيها لو حصلت مشكلة عشان تحس بأقصى درجات الأمان.
لكن كالعادة ما عداش وقت كتير حتى أصبحنا معتادين على كابتن بيقف مكانه عشان انت اللي تلغي الرحلة وتدفع الغرامة، أو بيلغيها بعد ما تستناه كتير، أو ينزلك بعد ما تركب عشان هتدفع بالكارت مش نقدي، أو ينزلك قبل ما توصل وجهتك بحجة انه مش رايح هناك، لحد سلسلة من حوادث التحرش والشروع في الاختطاف، زي ما سمعنا مؤخرا عن الشابة اللي اضطرت ترمي نفسها من السيارة وهي ماشية على طريق سريع وقالت قبل ما تسقط في غيبوبة ان كابتن الأوبر كان بيحاول يخطفها.
والأسئلة اللي بتطرحها التجربة دي هي: إيه القدرة التدميرية الجبارة دي اللي عندنا، لتفجير أي منظومة مهما حاول أصحابها انهم يحطوا قواعد للحفاظ عليها؟ إيه الموهبة الخلاقة اللي عندنا اللي بتخلينا نبص لأي سيستم محكم ونلاقي فيه نقط ضعف، ونقدر نستغلها لحد ما نفرغه من معناه؟
وليه ما بنستخدمش القدرات الابتكارية دي في تحسين الخدمات مش في تخريبها؟
وإمتى هنحس اننا بني آدمين، نستاهل نعامل بعض كبني آدمين، ونقدم لبعض الخدمات، ونؤدي الوظايف، ونعمل اللي المفروض يتعمل زي الناس ما بتعمله، ونعامل ضميرنا، أو ع الأقل نقدم اللي نحب يتقدم لنا؟ ونبقى مقتنعين ان أي طريقة تانية مش طريقة بني آدمين في مجتمع، ولكن مجموعة من الجراد اللي بتأتي على الأخضر واليابس لحد ما تخربها وتقعد على تلها!