في مرحلة في حياتي كنت بستغرب جدا من سيناريوهات الأفلام الأجنبية اللي لما تكون بتصور حوار بين طبيب نفسي ومريض عنده، بتلاقي من أوائل الحاجات اللي بيسأله عنها هي علاقته بأمه. كنت دايما بتساءل: هيكون فيه إيه يعني في علاقة أي بني آدم بأمه هيكون ليها تأثير سلبي عليه؟
إحنا اتربينا على إن أمك هي أكتر حد بيحبك وعارف مصلحتك ولا يمكن يخطر على بالها انها تضرك بأي شكل كان. بس بعد ما كبرت شوية، فهمت إن الأمور ليست بهذه البساطة.
قابلت ناس كتير في حياتي أمهاتهم كانوا أكبر أسباب عذاباتهم. سواء بتفضيل طفل تاني عليهم، أو بإسقاط مشاكلها مع أبوهم على طريقة تربيتها ليهم، أو بإسقاط مشاكلها هي وقت الطفولة على طفولتهم وشبابهم.
سمعت عن الأم النرجسية، اللي بتفضل دايما مصلحتها وراحتها على حساب أولادها، والأم المتسلطة اللي بتحب يكون الكل تحت طوعها وأمرها، والأم الذكورية اللي بتكره البنات وخلفتهم وعندها أولادها الذكور بس هم اللي في العين وعلى الراس، والأم جافة المشاعر اللي أصلا مش من المفروض انها تكون أم، هي بس اتورطت في الموضوع ده لأن هي دي قوانين المجتمع اللي بتنص على إن أي بنت لازم تتجوز، وأي زوجة لازم تخلف، حتى لو ما كانتش مؤهلة لكده.
وفي اللحظة اللي قررلي القدر فيها إني أكون أم، عن طريق تبني إبني الوحيد، حسيت بأد إيه عظم المسئولية، وأد إيه كبير الحمل، وإزاي ان ربنا استأمني أمانة في صورة مخلوق هش ضعيف، حياته صفحة بيضا وكل كلمة أو تصرف باعمله بيتكتب فيها بشكل ما، وبيغير بياض لونها لألوان مختلفة على حسب القول والفعل، ممكن يحولها لصفحة مليانة بألوان زاهية وجميلة، وممكن يحولها لسواد.
ومش بالضرورة تكون آثارها سريعة ومباشرة، أحيانا كتيرة بنلاقي تروما من الصغر ما طفتش على السطح
غير واحنا في تلاتيناتنا أو أربعيناتنا، أو زي ما حصل لي كده في منتصف الأربيعينات لما اكتشفت عدد من الترومات اللي كان السبب فيها تربية أمي واللي تسببت في ليالي طويلة من البكاء على حاجات حصلت من أكتر من ٣٠ سنة.
وبنظرة سريعة على جروبات النميمة النسائية على الفيسبوك، بالاقي إن نسبة كبيرة من الناس لسه معتمدة فكرة:(ماحدش هيحبك أكتر من أمك)، (أمه وتعرف مصلحته أكتر منه)، (أمك بس هي اللي عايزاك أحسن حد في الدنيا)، بما يعني إن لسه فيه تجاهل تام لحقيقة إن مش كل الأمهات ملايكة، ومش كلهم اتربوا بطريقة سوية ولا كلهم بيربوا أولادهم بطريقة سوية.
مش عايزة ألوم حد وأولهم أمي، أنا عارفة ومتأكدة إن النسبة الأكبر على الأقل بتحاول إن حياة أولادها تكون أفضل من حياتها، وإنها تقيهم الترومات اللي قابلتها في الصغر، لكن غصب عن البعض فهم بيعيدوا إنتاج التروما مرة تانية، مرة بسبب إن هي دي قواعد المجتمع، زي الأم اللي عانت من الختان مثلا ومع ذلك مصممة تعيد ده مع بنتها. أو وهي مش واخدة بالها لأن هي دي طريقة التربية الوحيدة الي شافتها، ماحدش قالها إن فيه طريقة تربية لا تتضمن الضرب بالشبشب أو الشد من الشعر أو الضرب بالأقلام. أو ظنا منها إنها بتحافظ على أولادها من نفسهم، بنكسر للبنت ضلع عشان ما تمشيش على حل شعرها، ونحسسها دايما إنها قليلة عشان ما تتمرعش وتخرج عن طوعنا، وكل هذا الميراث المأساوي من الأذى والتعنيف.
لكن لسه فيه أمل، إن مع كل جيل جديد، تكون الصدمات والعقد والترومات أقل، بس علينا الأول إننا ننتبه ونعترف، إن الصورة ليست بالوردية ولا كل الأمهات بالملائكية اللي الكل بيدعيها