يحتاج المرء، في أوقات كهذه، الى أن يهرب من العالم. من آلام العالم. من وحشية العالم. من صخب العالم. يحتاج الى الصمت. الى الإنصات الى همسات الطبيعة الهادئة، المسالمة، الى رسائلها غير المحسوسة بالأذن والعين، أو بسواهما من الحواس.
نعم يحتاج المرء، في أوقات كهذه، الى أن يهشل في الطبيعة. أن يجلس، مثلاً، على متكأ صخري. أو أن يمثل أمام البحر. فوق هاوية. تحت شلاّل. على مقعد خشبي في حديقة عامة. ليس من أجل الطبيعة في ذاتها فحسب، وإنما خصوصاً من أجل ذاته. بحثاً عن سفر في دواخل طيّاته، وعن صفاء ينسيه بشاعة ما يحيط به.
شخصياً، أمارس هذا السفر بين حين وآخر، ليس هرباً من ذاتي، إنما التقاءً بها، بعيداً من آليات هذه الحياة المفترسة. هناك، أكتشف كم أن الأمكنة المجهولة مني، قادرة على شقّ الطرق الوعرة الى أعماق الذات، مما يتيح لي أن أرى الى نفسي كأنني أرى اليها للمرة الأولى. ثم إن ذلك يوسّع من آفاق نفسي ومساحاتها، فتصير أشد رحابة وامتلاءً وقدرة على مواجهة الصعاب بدينامية خلاّقة، وبنضج أعمق، وبالكثير من التسامح والتعالي على ما يهدّد راحتي النفسية.
في الطبيعة، أتأمل نفسي كأني أتأمل شخصاً آخر، فيمكّنني ذلك من أن أتصالح مع كل ما يوجعني في الداخل أو الخارج. أريد أن أوضح أن هذا ليس هروباً، بل تماساً مع الذات، ونوعاً من الغوص في عمقها الوجودي. لهذا أراني، كلما اشتدت الصعاب، وتراكمت المشقات والأوجاع، مثلما هي الحال الآن، أسافر في الطبيعة، عارفةً أن هذا السفر لا بدّ أن يعيد الضوء الى أعماقي المظلمة.