لن أحزن على مليونير أبيض عجوز وهناك أطفال يموتون تحت الأنقاض.”
كان تعليق صديقتي الحاد اللهجة عندما ألمحت لها بحزني على وفاة أحد ممثليني المفضلين، والمشهور بتجسيد شخصية (تشاندلر بينج) في المسلسل الأشهر (فريندس).
أشعرني تعليقها بالقليل من الذنب لما أشعر به من حزن بسبب وفاة (ماثيو بيري) المفاجأة، ولا أخفي عليكم أمرا، خلتني كمان ما استفيضش في الكتابة عن مدى الحزن ده وإحساسي إني فقدت أحد أصدقاء الطفولة الافتراضيين. اللي منحني ساعات من الضحك والابتسامات بتجسيده لأحد شخصياتي الكوميدية المفضلة،
أفهم طبعا مسألة تراتبية الأحزان وإننا مش بنحزن على كل الأشخاص أو الأحداث بنفس الشدة. بنحزن مثلا على الشاب اللي مات وهو في عز شبابه، أكتر من حزننا على مسن توفى بعد ما نهل من أنهار الدنيا ما شاء. بنحزن على الشخص اللي مات وهو وحيد أكتر من حزننا على الشخص اللي مات وهو في وسط عيلته.
ضحايا الحروب بنحزن عليهم أكتر من ضحايا سقوط طائرة مثلا، وضحايا سقوط الطائرة بنحزن عليهم أكتر ما بنحزن على ضحايا حادثة أتوبيس على الطريق الصحراوي، واللي بنحزن عليهم أكتر من حزننا لو كانوا الضحايا راكبين سيارة ملاكي عادية.
حتى ضحايا الحروب بنصنفهم، فنحزن على الأطفال أكثر من حزننا على النساء ويأتي الرجل في ذيل القائمة.
ربما لإننا دايما بنحط الظروف قدام الحزن في الميزان. كلما كانت الضحية أكتر براءة كلما كان الحزن أثقل. وكلما كانت الموتة مفاجأة، كلما تسبب الأمر في ألم أكبر. أتذكر شعور الثقل في قلبي وهم بيعرضوا صورة أصغر شهيدة في فلسطين وعمرها أقل من أسبوع. كما أتذكر إن أيام حادث استاد بورسعيد لما كان فيه شعور خضة مسيطر على الجميع لإن الضحايا ماتوا وهم بيتفرجوا على ماتش، ماكانوش حتى نازلين مظاهرة.
لما ماتت (صباح) ناس كتير قالوا انتوا زعلانين ليه؟ ما الست عاشت بالطول والعرض واستمتعت بحياتها. بينما ماتت (سعاد حسني) مثلا وحيدة وفي ظروف ملتبسة، تيجي وفاة (كاميليا) ونقف قصادها شوية، من ناحية ماتت وهي جميلة وفي حادثة طيارة وفي عز شبابها، بس من ناحية تانية بيقولوا كانت جاسوسة ويهودية، طب نزعل عليها والا ما نزعلش دلوقتي؟ أممم موضوع محير.
وكأننا واقفين قدام ميزان بقال، ده شخص مات، أممم، كان فقير؟ نزود جرام حزن. كان بار بوالديه؟، نزود جرامين كمان، أنقذ قطة صغيرة من الموت؟ زود ٣ جرامات. كان بيضرب مراته؟، أمممم .. طب شيل جرام ونص كده.
والمشكلة إن مش كل الناس عندها نفس الميزان ودايما فيه حد بيأنبك بطريقة (حزين على فلان؟! الأولى انك تحزن على علان !) ، والحزن اللي المفروض يكون شيء طبيعي وتلقائي، أصبح خاضع هو كمان لاتجاهات الرأي العام.
تراتبية الأحزان شيء بشري ولا يمكن التخلص منه، لكن في نفس الوقت مش بالضرورة يكون للبعض فينا أسباب للحزن تحوز إعجاب الجميع. يمكن أنا حزينة على (ماثيو بيري) مثلا لأني فاهمة جزء من معركته مع الاكتئاب. يمكن حد تاني يكون حاسس بيه لأن شخصيته الاعتبارية كانت عبء على حياته وواقعه. حزننا عليه مش بالضرورة بينافس أو بيقلل من حزننا على ضحايا حرب وحشية بنشوفها كل يوم على الشاشات. ولا لازم ناخد أصلا إذن بالحزن ولا نشعر بالذنب بسبب مشاعرنا الإنسانية اللي مش لازم تخضع للتحقيق..
أو كما قال رسول الله لما أصحابه تعجبوا لقيامه لجنازة يهودي: أليست نفسا؟