كنت أحاول أن أعدد الحروب التي مررت بها، حرب الانفصال كما نسميها في (اليمن)، كنت لا زلت في عمر المراهقة في ذاك الوقت عندما أراد جنوب (اليمن) أن ينفصل عن الشمال، ووقعت حرب كانت نتيجتها انتصار الرئيس السابق (علي عبد الله صالح)، واستمرار الوحدة.
لم أشعر كثيرا بهذه الحرب، فما عرفته بعد ذلك أن من يسكنون في الجنوب هم من عانوا من ويلات هذه الحرب، وانقطاع المياه، ولكن في الشمال أتذكر فقط مضادات الطائرات، وأنني كنت اتفرج عليها باندهاش، وكأنها ألعاب نارية، وصوت أمي وهي تقول لي بغضب بأن ابتعد عن الشباك خوفاً علي، ولكنني أتذكر أيضا بأننا كنا في حالة قلق، وأنني كنت أنزعج عند مشاهدة القنوات العربية والناس تعيش حياة طبيعية بينما نحن لدينا حرب، وكأنني أتوقع أن على جميع العالم أن يحزن لحزننا بينما في الحقيقة ألا أحد يشعر بما يعانيه الآخر مهما كان متعاطفاً معه.
بعد ذلك انتقلنا لمدينة (إب)، وهناك لم نسمع مضادات طائرات، وكان الوضع أكثر هدوءاً، وقضينا العيد، وأتذكر النساء وهن يجهزن الكعك، ونحن نلعب حولهن.
فكرة أن هناك من عانوا في الطرف الآخر من البلد بينما نحن لم نكن واعين بذلك فكرة مخيفة لحد كبير، وعندما نتحدث مع الجنوبيين تشعر بأن ذاكرتهم مختلفة عن ذاكرتنا في الشمال، فهناك من يرى أن الشماليين مجرمون، وكنت ولا زلت أستغرب من جنوبيين يكرهونني فقط لأنني شمالية رغم أني لم أكتب في حياتي أي شيء ضدهم، ولكن هناك من الشباب والشابات من الجنوب ممن عاشوا في سنوات الوحدة، ولم يعرفوا إلا الوحدة، وربما عاشوا في الشمال، ولديهم أصدقاء شماليون. هؤلاء تجدهم أكثر محبة للشمال، ويرى الشعب كما هو بعيدا عن السياسة.
نعود لفكرة عدد الحروب التي حضرتها في حياتي، حضرت حربا في (لبنان) أيضاً، وانقلاب (تركيا)، وما أتمناه من كل قلبي هو ألا أحضر الحرب العالمية الثالثة، وأيضا أتمنى أن يذكرني الناس بالخير في حياتي، وبعد وفاتي، وأن ينسوا زلاتي مثلما نسوا اختراع نوبل للديناميت، وتذكروه فقط بجائزته. آمين.