نعرف أن العلماء يعكفون منذ فترة ليست بقصيرة على اختراع عقاقير تصدّ الموت، من خلال تحصين الجسد تحصيناً جينياً يحول دون وقوع عطب جوهري في الخلايا الجسمانية، بما يؤهّلها لتتوالد وتنمو، فتحلّ محل الخلايا المصابة بالشيخوخة، وتؤمّن للإنسان فترة عيش طويلة نسبياً، بما يجعل هذه الحياة قادرة على الاستمرار لأكثر من مئتي عام. وربما أكثر، أي الى حدود ثلاثمئة عام.
كلّنا نريد أن نعيش 150 عاماً. بل مئتين. بل 300 عام. كلنا نريد أن ننهل من الحياة أكثر، ونلتهمها أكثر، ونسرقها أكثر. كلنا نريد ان نصدق إنه سوف يتم اختراع عقاقير من شأنها أن تطيل عمرنا وأن تمكّن الانسان من أن يظل شاباً، بحيث تمنع قتل الخلايا، وتحول دون تسرّب الشيخوخة الى الجسد.
لكن السؤال هو: إذا كان العلم قادراً على إطالة أمد الحياة، حياة الجسد، أفيستطيع أن يتوصل الى جعل أرواحنا المتعبة "ترغب" بالاستمرار في العيش، أم أن الضجر الروحي والوجودي لا دواء له ولا شفاء منه؟ إذا كان الواحد منا اليوم، يتعب من الحياة، لألف سبب وسبب، مادي ومعنوي، بل يصاب بمرض الملل من الوجود نفسه، ويكاد يتمنى أحياناً اقتراب الفرج والخلاص من طريق الموت، فهل نستفيق يوماً فنجد أنفسنا وقد تحررنا من هذا "التعب" وانتصرنا عليه؟ هل إذا التغى الموت، سنظل نحب الحياة؟ شخصياً، أؤمن أن حتمية النهاية هي التي تصنع لذة العيش.
ثم معضلة أخرى: ماذا لو ابتعد الموت نهائياً؟ ماذا لو ان المليارات الثمانية الراهنة، صارت بفعل اختراع إطالة العمر، عشرين مليار نسمة؟ أو ثلاثين؟ ألن تحل بنا آنذاك كارثة بشرية من نوع آخر، قد تكون أسوأ وأبشع من حتمية الموت؟ كارثة قد تعيدنا ربما الى اشتهاء الموت كحلّ حكيم، والسعي الى حلوله.
كل هذا، وسواه من الأسباب، يدفعني الى اعتبار الموت نعمة في ثياب نقمة.