كتب المفكر نعوم تشومسكي يوماً أن الجماعة تسحق الفرد، وأن الشعوب تعاني دائما خطر الانزلاق نحو القطيعية بسبب غريزة التماثل لديها. في رأيي ان مشكلتنا الأولى، الجذرية، نحن الشعوب العربية، معقدة أكثر من القطيعية، وما القطيعية إلا نتيجة لها.
مشكلتنا معقدة أيضاً أكثر من الانظمة الديكتاتورية التي تتحكم بغالبيتنا؛ وأكثر من انقسامنا بين شكلَين من الفكر الظلامي، متضادَّين في الظاهر وموحدَّين في الجوهر؛ وأكثر من تعرضنا للإهانة المنهجية على يد حكوماتنا ومُصادِري قانونها العام؛ وأكثر من افتقارنا الى الحريات والحد الأدنى من أدوات الحياة الكريمة؛ وأكثر من استغباء "الزعماء" لنا، وتعاملهم معنا كالخرفان، وهلم. هذه الظواهر التي أذكرها، هي "نتائج" كما قلتُ آنفاً، وليست مسببات. هي البيضة وليست الدجاجة. وهي، مع احترامي لنا جميعا، نحن غالبية هذه الشعوب، عواقب "مرض" واحد لا غير: غياب الفكر النقدي الفردي والجماعي.
فعلاً، هذا هو السرطان الحقيقي الذي يهدد الكيان العربي. هذا ما يجعلنا نلتحق على العمياني وننتخب على العمياني وندافع على العمياني ونهاجم على العمياني. هذا ما يجعلنا نرضخ بدلاً من أن نقرر بأنفسنا، ونتبنى بدلاً من أن نختار، ونعيش في فقاعاتنا المريحة بدلاً من أن نواجه الواقع عيناً بعين، ونستسلم لغرائزنا القبلية والطائفية. هذا ما يجعلنا نقوّم ونميّز ونلغي ونستبعد ونصمّ آذاننا ونفتي بناءً على القشور، ونعتبر أن كل ما لا يمسنا في شكل مباشر وواضح، لا يعنينا.
إنه غياب الفكر النقدي، نعم وبالتأكيد. إنه الاستسهال أيضاً، واللامبالاة والاستزلام والتكفير والجهل والتطنيش ووو. الأنكى أننا – غالبيتنا، أكرّر، كي لا أعمّم - تنكر هذه الأمراض بدلاً من أن تحاول الشفاء منها. لماذا؟ لأن اللوم أهون من تحمّل المسؤولية، وتوجيه أصابع الاتهام أهون من الاعتراف بالخطأ، والكوما أهون من الوعي، والهرب، طبعاً، أهون من المواجهة.
ولكن، حتّام نظل نهرب؟ والأدهى: إلى أين؟