في عالم يسوده اللون الرمادي، وتحيط به الكتل الإسمنتية من كل اتجاه، وقلما تقابل فيه وجها مبتسما. كان من المنعش أن أشاهد فيلما يبدأ نصفه الأول بكل ما هو عكس ذلك. من بدايات ظهور الإرهاصات الأولى لانطلاق فيلم باربي وبداية عرضه في السينمات، بدأت هجمة شرسة من الترويج للفيلم باستخدام اللون البمبي بشكل مزعج ويكاد يكون خانق لحد زيي يكره المبالغة والأفورة، لكني قررت اني اخوض التجربة وأدخل الفيلم ببساطة وبالبلدي: "عشان أفهم الكلام على إيه؟"
الفيلم ببساطة وبدون حرق أحداث بيناقش فكرة ان جنس يعيش في الضل بينما الجنس التاني بيحصل على كل المميزات وبيحتل مركز الصدارة وبيخطف دور البطولة في الحياة.
في الواقع احنا كستات بنعيش ده كل يوم، لكن في "باربي لاند" كان "كين" أو جنس الرجال ممثل في كين هو اللي محطوط ع الهامش لدرجة ان ماحدش حتى فكر له في شغلانة محددة. اعتقاده عن نفسه هو إنه شغال حاجة ليها علاقة بالشاطيء. مش منقذ على الشاطيء ولا حتى راكب للأمواج. لأ مجرد حاجة ليها علاقة بالشاطيء بدون تحديد.
كين مش عارف ايه لازمته في الحياة من غير باربي. مش شايف ان ممكن يكون له أهمية إلا اذا باربي بصت له واهتمت بيه وحبته ، مش شايف نفسه غير في برواز من قصة حب حتى هو مش حاسسها مبررة، لكنه حاسس ان هو ده المتوقع منه، إنه يكون حبيب باربي.
خير اللهم اجعله خير، مش حاسين ان الكلام ده سمعناه في حتة قبل كده؟ مع الفارق انه مش شعور كين، لكنه شعور مر على كل بنت وست في وقت من الأوقات مهما كانت درجة نجاحها واستقلاليتها لأنها اتربت على إن هو ده المتوقع منها . بيفضل جزء كبير مننا مش لاقيين نفسهم إلا في إطار إن واحدة حبيبة محمد، وواحدة تانية عيون مصطفى، وأنجحهم اللي بتحمل لقب مدام الدكتور فؤاد.
وعلى الرغم من المولد الإعلامي والحشد الدعائي والحصار بمبي اللون اللي ما سابلناش مكان نتنفس فيه على أي وسيلة من وسايل السوشيال ميديا وعلى الرغم من مباشرة الرسالة بشكل سبب لي الضيق كامرأة أربعينية مابقتش تاكل من الكلام ده خلاص.
لكن لو خرجت من ذاتي شوية وارتديت نظارة بنت عشرينية بتاخد خطوات مرتبكة في الحياة وعندها أسئلة كتيرة عن مكانها ومكانتها وهويتها ودورها في الحياة، أظن تجربة باربي هتكون مفيدة وفي نفس الوقت ممتعة.
لكن ده لا يعني إنه فيلم للبنات وبس على الرغم من رسالته النسوية الفجة. فالرسالة يمكن توسيعها عشان نخليها تشمل أي شخص عايش على الهامش في أي سياق. فكلنا من حقنا نحس بأهميتنا ونلاقي مكاننا على مسرح الحياة، وكلنا من حقنا نلمع بألوان خاصة بينا، مش بس مستمدة من وجودنا جنب شخص تاني.
وعلى الرغم من إن رسالة دعم المهمشين رسالة مكررة في عصرنا الحالي ومش جديدة، لكن على الأقل المرة دي تم وضعها في إطار بصري مختلف، ويحسب للفيلم كمان إن نهايته بتعاكس بشكل مباشر النهاية المتوقعة لفيلم مليء بالألوان ويسيطر عليه اللون البمبي بشكل ربما كان هيزعج سعاد حسني نفسها على الرغم من إنها خصصت له أغنية من بابها