ازدادت أوضاع المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء في تونس تدهورا بعد احتقان الوضع في مدينة صفاقس خلال الأسبوع المنقضي. فقد تمت مهاجمة عديد مساكن هؤلاء من طرف مواطنين من المدينة واندلعت أحداث عنف خطيرة بين الطرفين. وقد سبق هذه الأحداث عمليات حشد إعلامي ضد المهاجرين من طرف بعض النشطاء المحليين. هذه الأحداث تؤكد أن ملف الهجرة أصبح يؤرق السلطات التونسية بعد أن اعتقدت أنه بالإمكان استغلاله في التفاوض مع أوروبا. فأي سبيل للخروج من هذا المأزق؟
علينا بداية الإقرار بأن منطلق التوتر كان بيان رئاسة الجمهورية التونسية منذ خمسة أشهر والذي فاجأ الجميع بمن فيهم التونسيون بالحديث عن مخطط لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس عبر توافد المهاجرين. وبغض النظر عن الموقف المبدئي من طبيعة الخطاب الذي يصنف في خانة العنصرية، إلا أنه وضع الدولة التونسية أمام مأزقين. الأول أنه أعطى دافعا لردة فعل اجتماعية لا يمكن مراقبتها والتحكم فيها كما حصل خلال الأسبوع المنقضي. ثم ثانيا أن خطاب رئاسة الجمهورية التونسية ذهب إلى الأقصى بشكل يصعب التراجع عنه أو حتى التخفيف منه. في المقابل لا يبدو أن الدولة التونسية حققت مكسبا ما من خلال ورقة الهجرة باعتبار عدم التوصل إلى حد اليوم إلى اتفاق رسمي مع الطرف الأوروبي.
إن التصرف في ملف المهاجرين في تونس يتطلب وقفة جدية على حقيقة المشكل دون توظيف سياسي كي تتمكن السلطات من مراعات مصالح البلاد التونسية في إطار المواثيق الدولية. إذ لا يمكن إنكار تزايد أعداد الوافدين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وخاصة على مدينة صفاقس. لكن المؤكد حسب نشطاء من المجتمع المدني أن أغلب المهاجرين قادمين من الحدود الغربية أي من الجزائر. وبالتالي على السلطات التونسية أن تفتح مفاوضات مع جارتها الغربية من أجل رقابة أفضل على الحدود المشتركة. في نفس، الوقت لا بد من تعزيز مراقبة انطلاق قوارب الموت من السواحل التونسية باتجاه أوروبا لأن هذا الإبحار غير القانوني يعتبر عامل جذب لمن يرغب في الالتحاق بأوروبا سواء من أفارقة جنوب الصحراء أو حتى من التونسيين.
ويتمثل المستوى الثاني في إرساء سياسة هجرية واضحة تراعي وضع البلاد كما تراعي المواثيق الدوية التي وقعت عليها تونس. ويتم في إطارها تغيير القوانين المتعلقة بتصاريح الإقامة كي تمكن لمن تتوفر فيه الشروط من إقامة طويلة الأمد خاصة للطلبة. لكن كل ذلك يتوقف على توضيح الرؤية حول ما تريده تونس من الهجرة.