إذا كان كثير من خبراء التنمية في العالم العربي يشاطرون رأي أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي ينزل التغير المناخي منزلة أهم تحد مطروح أمام الأسرة الدولية، فإنهم يقولون بشأن التحدي ذاته بالنسبة إلى المنطقة العربية إن أخطر ما فيه على الإنسان العربي وعلى بيئته الأرضية والبحرية هو ما يسمى " الكائنات الدخيلة" أو " الغازية". ومن خاصيات هذه الكائنات أنها تهاجر من مواطنها الأصلية عبر طرق متعددة إلى مواطن جديدة بحثا عن الغذاء وهربا من انعكاسات التغير المناخي
ولا يخلو اليوم أي بلد من البلدان العربية من هذه الكائنات الغازية التي أصبحت تُمَكن لنفسها يوما بعد آخر في هذه البلدان وبلدان الكرة الأرضية بكليتها. ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال خلصت دراسة جماعية نشرت في سبتمبر 2019 في مجلة العلوم الزراعية والبيئية والبيطرية إلى أن ستة عشر نوعا من النباتات الدخيلة اجتاحت المنطقة الغربية في هذا البلد. وقسمت هذه النباتات الغازية إلى ست فئات من أشكال الحياة النباتية هي التالية: أشكال تحت شجرية وشجيريه وأعشاب حولية ونجيليات حولية واعشاب معمرة وأشجار. وفي العام ذاته أي عام 2019 خلص تقرير عن هيئة البيئة في إمارة أبو ظبي إلى أن عدد الكائنات الغازية في الإمارة ارتفع إلى قرابة مائة وخمسين نوعا منها في ما يخص الكائنات الحيوانية الحمام الصخري والجرذ الأسود.
ومن أنواع الأسماك الغازية التي اجتاحت بيئات بحرية عربية خلال العقدين الماضيين " السمكة الأرنب" أو " النفيحة" التي كانت تعيش في المحيط الهندي ودخلت إلى المياه البحرية العربية عبر البحر الأحمر. وأخطار هذه السمكة متعددة. فهي تحتوي على مواد سامة في بعض أجزائها تتسبب أحيانا كثيرة في هلاك من يتناولها إذا لم يتخلص من هذا الجزء أو إذا لم يتم إسعافه بسرعة بعد ظهور أعراض التسمم عنده . وهي بالإضافة إلى ذلك تتربص دوما بشباك الصيادين التقليديين فتقطعها بأسنانها الحادة وتُفرغها من حمولتها فتحرم الصيادين من رزقهم ورزق أسرهم.
ومن أهم الكائنات النباتية الغازية التي انتشرت في السنوات الأخيرة في عدة بلدان تشقها أنهار كبيرة، نبتة " ياسنت النيل" أو " ورد النيل". وقد انتقلت من مواطنها الأصلية في أمريكا اللاتينية إلى بلدان كثيرة أخرى خارج القارة الأمريكية منها البلدان الإفريقية. فقد نمت في بلدان أعالي نهر النيل في إفريقيا. وأصبحت اليوم تُعيق الملاحة النهرية في النهر لاسيما في بلدي المصب أي السودان ومصر. كما لوحظ نموها بشكل لافت خلال السنوات العشرين الأخيرة في العراق وبالتحديد في نهري دجلة والفرات. وعندما يُسأل صيادو السمك والمزارعون من حول هذه الأنهار الثلاثة أي النيل ودجلة والفرات عن مساوئها يقولون إنها لا تكاد تحصى ومنها سد قنوات الري وامتصاص كميات كبيرة من الماء والأوكسيجين على حساب الكائنات النباتية والحيوانية التي تنمو في هذه الأنهار ومن حولها.
والحقيقة أن خبراء التنمية الذين يعون أهمية التصدي للكائنات الغازية في المنطقة العربية يقرون بأن هناك اليوم مزيدا من الأبحاث العلمية بشأن طرق انتشارها. ولكنهم يرون أن المنهجية الأكثر نجاعة في مجال التصدي لهذه الكائنات والمساعدة على التكيف معها هي تلك التي تتمثل في تحالف عربي لشن الحرب على هذه الكائنات على مستوى الأبحاث وعلى مستويات كثيرة أخرى مشتركة انطلاقا من مبدأ أن أي بلد غير قادر اليوم على كسب رهان التحدي المناخي بمفرده وانطلاقا أيضا من حقيقية مفادها أن الكائنات الغازية لا تعترف بالحدود.