جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماركرون، أول أمس الجمعة، ثقته في سيبستيان لوكورنو من أجل تشكيل حكومة جديدة بالرغم من استقالة هذا الأخير منذ أيام وبالرغم أيضا من معارضة أغلب الأحزاب. ذلك أن إعادة التعيين هذه تحيل لدى الكثيرين منهم على أصرار الرئيس على فرض خياراته السابقة وعدم الاكتراث بالرأي العام المعارض لها.
هو إصرار يحيل في النهاية على ما يبدو على رفض الرئيس ماكرون لتحمل مسؤوليتين. مسؤولية حل البرلمان في شهر يونيو 2024، ثم مسؤولية الاعتراف بهزيمته في الانتخابات المبكرة التي انتظمت نهاية نفس الشهر.
إن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها فرنسا اليوم وطبيعة الرهانات الداخلية والخارجية تتعارض كليا مع إصرار الرئيس ماكرون على نفس الخيارات منذ أكثر من سنة.
وهو إصرار لامه عليه حتى أقرب المقربين منه. ذلك أن قرار حل البرلمان فاجئ الكثيرين من داخل حكومته آنذاك وخاصة من القيادات المعروفة في التحالف الرآسي وعلى رأسها رئيس الحكومة وقتها غبريال آتال.
وقد تأكد أن خيار ماكرون لم يكن صائبا بعد أن تراجع عدد نواب تحالفه في برلمان لم يفرز أغلبية واضحة بالرغم من تصدر الجبهة الشعبية الجديدة النتائج. فأصل المأزق اليوم كما يراه حتى أنصار ماكرون كان في حل البرلمان الذي لم يكن مبررا سياسيا.
لكن رغم ما آلت إليه تلك الانتخابات من تراجع لممثلي الرئيس في البرلمان ورغم تصدر اليسار الموحد في الجبهة الشعبية الجديدة للنتائج، فإن قصر الإليزيه اختار التوجه نحو أحزاب اليمين التقليدي بما فيه البعض ممن عرفوا بمواقفهم المتطرفة مثل وزير الداخلية برونو روتايو. وقد مثل هذا الاختيار بداية القطيعة بين ماكرون والشارع الفرنسي الذي صوت في عمومه ضد توجهاته.
من جهة ثانية، ورغم سقوط حكومتين اختارهما ماكرون، بفعل العجز على إيجاد أغلبية برلمانية تسند هذه الخيارات، فإنه واصل نفس التوجه يمينا من حيث اختيار الوزراء، كما واصل اختيار رئيس الحكومة فقط من بين المقربين منهم مثل فرونسوا بايرو والمكلف الحالي سيباستيان لوكورنو. فكأن لسان حاله يقول: لم ينتصر أحد في الانتخابات، إذن فإنني لم أخسر، ولذا أبقى صاحب القرار والاختيار.
في نفس الوقت، يتزايد القلق الشعبي وكذلك قلق المؤسسات من هذه الضبابية السياسية خاصة في ظل اقتراب موعد إقرار ميزانية الدولة للسنة المقبلة. وهو وضع يتطلب أكثر حكمة في قصر الإيليزي والتوجه ربما نحو خيارين معقولين: إما حكومة تترأسها شخصية جامعة من الحزب الاشتراكي، أو حكومة تكنوقراط غير مسيسة.