كانت ليلى شابة، تتلمس طريقها في الحياة، وتظن أن كل الأجوبة تكمن في الكتب وفي كلام المشاهير، لكن الحياة، هذه المعلمة الصامتة والقاسية أحيانًا، أبت إلا أن تلقنها دروسها الخاصة. في بداية رحلتها، كانت ليلى تحصر فكرها في دائرة ضيقة، تتبنى فكر شخص أو مدرسة معينة لدرجة التعصب، مثلما وصف أبو إياس تعصبه للغة برمجة معينة. كان هذا الحصر يفوّت عليها مجالات وفرصًا كثيرة. لكن الحياة علمتها أن تتوسع في الفكر، وألا تصنف نفسها، بل تتقبل الأفكار من مدارس مختلفة بمنظور عقلي ومنفتح. لقد أدركت أن الحياة ألوان وليست أبيض وأسود، وأن الكمال وهم، وعليها أن تتعلم أن تكون بسيطة ومتزنة وتقبل الاختلافات. مع رغبتها في أن تكون "الشخصية اللطيفة" التي يحبها الجميع، وجدت ليلى نفسها تقول "نعم" دائمًا، حتى على حساب سلامها النفسي والجسدي. هنا، كان درس دينا صبري الصعب حاضرًا: "تعلم متى تقول لا". كلمة "لا" ليست اعتراضًا مطلقًا، بل طريقة للطف مع الذات، تفتح أبوابًا للعطاء المتوازن. تعلمت أن تقول "لا" للأعمال التي تفوق طاقتها، وللأشخاص الذين يستنزفون طاقتها أو يقلدونها. لم تكن ليلى تدرك أهمية الوقت في البداية، فكانت تنتظر "الوقت المناسب" لزيارة أحبائها أو البدء في مشروع مهم. لكن الحياة، بقسوتها، علّمتها من خلال تجارب الفقد الأليمة، كما مر به هشام فرج مع جدته، أن الوقت المناسب لن يأتي أبدًا. فالفشل لا يعني الخسارة دائمًا، بل هو بداية النجاح إذا تعلمنا من أخطائنا. عليها أن تغتنم الفرص التي تأتي إليها، وإن لم تأتِ، فعليها أن تذهب إليها. في مجال عملها، كانت ليلى تسعى لتكوين صداقات عميقة، لكن عامر حريري نبهها إلى أن محيط العمل هو مكان لأداء المهام وليس لاكتساب الصداقات العميقة. الأهم هو الدور الوظيفي، وليس العواطف. هذا الدرس الصعب جعلها تدرك أن عليها أن تخرج من أي محيط يشدها للوراء ويستنزف طاقتها. كما علمتها سارة، لا تتعلق ليلى بالناس كثيرًا، لأنهم في النهاية سيغادرون. وليس كل من يضحك في وجهك يتمنى لك الخير. عليها أن تحب نفسها وتكون نسختها الأصلية، لا نسخة مقلدة، وألا ترفع سقف توقعاتها مع الناس لأن قلوبهم تتغير. بل عليها أن تتبع ما يمليه عقلها وقلبها المناسب لها، لا ما يقوله الناس. عندما كانت ليلى تغضب، كانت تفقد سيطرتها، كما فعل عبد الله المهدي مع ابن أخيه. لكن الحياة، بما فيها من اختبارات وضغوط، علمتها أن ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. وأن الغضب يعمي القلب والبصيرة، وأنها ستندم على لحظات الغضب هذه أكثر من ندمها على الفرص الضائعة. مرت ليلى بفترات من القلق الشديد، لكن طارق الموصللي أشار إلى أن القلق لا يفيد أبدًا. وأن هذا القلق غالبًا ما ينبع من اعتدادنا بأنفسنا وظننا أننا من نسيّر شؤون حياتنا. لكن الحقيقة هي أن ما قدره الله سيحدث، وأن الاستسلام لقوة الله يريح النفس. عندما باغتتها أزمة صحية، أدركت ليلى الدرس الأهم من هشام فرج: أن الثروة العظمى هي الصحة. فالمال والأهل والأصدقاء لا تعوض الصحة. هذه التجربة جعلتها تضع صحتها في أعلى قائمة أولوياتها. علمتها الحياة أيضًا أنها لا يمكنها إنقاذ الجميع، فقد كان فرزت يواجه نفس الصعوبة في مهنة الطب. وأن الطبيب، وكل إنسان، يجب أن يكون إنسانًا أولاً، يمتلك التواضع والتعاطف. وأن صفعات الحياة مؤلمة، لكنها دروس لا تُنسى. في مسيرتها، تعلمت ليلى الصبر من محمود عبد ربه، وأن الاستمرارية في السعي لا تتوقف بالمظلوميات أو الصعوبات. وأن عليها أن تقارن نفسها بنفسها، لا بالآخرين. وأن التعلم مستمر، فـ "المعلم يموت وهو بيتعلم". وأن الفضول الطفولي والتساؤل المستمر مفاتيح للنمو. وأخيرًا، وصلت ليلى إلى أعمق دروس الحياة، كما أوضح يونس بن عمارة. أدركت أن انعدام الحول والقوة هي حالتها الطبيعية في الحياة. هذا الفهم العميق، بأن كل قوة ومقدرة إنما هي من الله، قادها إلى الرضا بكل ما قسم الله لها. أصبحت تشعر بالحمد على لسانها من أعماق قلبها على كل نعمة، وتستمد الصبر من الله ذاته. الحياة لم تتوقف أبدًا عن تعليم ليلى. فكل يوم يحمل معه درسًا جديدًا، تحديًا جديدًا. وعليها أن تستمر في النمو الفكري والعاطفي والمهني، وأن تحافظ على قيمها، وأن تصنع بهجتها الخاصة، متفانية في عملها دون المساس بسلامها النفسي. تعلمت أن تعيش الحياة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، وأن تكون ممتنة لكل ما أعطاها الله.