قصة المؤتمر السوري عام 1920 وتدمير التحالف الليبرالي-الإسلامي فيه في عام 1918، انطوت صفحة الحرب العالمية الأولى المروعة. ومع انتهاء حكم الإمبراطورية العثمانية، انبعثت في قلوب شعوب الشرق الأوسط، وعلى رأسها السوريون، آمال عريضة بالاستقلال وتقرير المصير. كانت دمشق، عاصمة الأمويين ومركزًا تاريخيًا وثقافيًا عظيماً، تتطلع إلى بناء دولة عربية حرة. كان الأمير فيصل، ابن الشريف حسين، بطل الثورة العربية الكبرى، هو صوت هذه الآمال. سافر الأمير فيصل إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، حاملاً معه رؤية لـ"سوريا الطبيعية" الموحدة، مستلهماً مبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الأربعة عشر التي نصت على حق الشعوب في تقرير مصيرها. كان يأمل في قيام دولة سورية مستقلة ذات سيادة. رحّب الأمير فيصل بالوعود الغربية، ورفض عروضًا لتقسيم الأراضي السورية. لكن خلف كواليس الوعود اللامعة، كانت هناك حقائق أخرى أكثر قتامة. ففي عام 1916، كانت بريطانيا وفرنسا قد عقدتا سراً اتفاقية سايكس-بيكو، التي قسمت المنطقة العربية بينهما، بما في ذلك سوريا. هذه الاتفاقية كانت تناقض بشكل صارخ الوعود التي قُدمت للعرب بالاستقلال، وكشفت عن أطماع القوى الاستعمارية. لم ينتظر السوريون طويلاً وهم يرون آمالهم تتلاشى. ففي مارس 1920، اجتمع المؤتمر السوري في دمشق. كان هذا المؤتمر يمثل تجربة ديمقراطية مبكرة، حيث ضم ممثلين عن مختلف أطياف المجتمع السوري من ليبراليين ورجال دين مسلمين ومسيحيين ويهود. أعلن المؤتمر الاستقلال الكامل لسوريا، وتوّج الأمير فيصل ملكاً عليها. كما وضع دستوراً يهدف إلى ضمان المساواة في الحقوق بين جميع المواطنين. كان هذا التحالف الليبرالي-الإسلامي يمثل جهداً فريداً لبناء دولة حديثة وديمقراطية. لكن إعلان الاستقلال السوري واجه رفضاً قاطعاً من فرنسا وبريطانيا. فقد كانت الدولتان تعتبران سوريا جزءًا من مناطق نفوذهما الموعودة، ولم يكن لديهما نية التخلي عن السيطرة. وفي يوليو 1920، اجتاحت القوات الفرنسية دمشق، منهيةً بذلك حلم الدولة السورية المستقلة الوليدة. أُجبر الأمير فيصل على مغادرة البلاد، وتم تقسيم "سوريا الطبيعية" إلى كيانات خاضعة للانتداب الفرنسي والبريطاني، مثل لبنان والأردن وفلسطين. يذكر الكتاب، الذي ألفته إليزابيث ف. تومبسون وترجمه محمد م. الأرناؤوط وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن ما حدث لم يكن مجرد احتلال، بل كان "سرقة للديمقراطية من العرب". فقد أدى هذا إلى تدمير التحالف التاريخي الليبرالي-الإسلامي الذي كان يسعى لبناء دولة حديثة. ووفقاً للكتاب، فإن الغرب غالباً ما يصور العرب على أنهم شعوب "متخلفة" أو "غير متحضرة" لتبرير فرض السيطرة الاستعمارية، بينما تم التغاضي عن هذه الأحداث الهامة في السرد التاريخي الغربي. يسعى الكتاب إلى تصحيح هذا السرد التاريخي وإبراز الدور المحوري للمؤتمر السوري في تشكيل المنطقة.