كان تحرك جمعية الأطباء الشبان خلال الأسبوع المنقضي أهم حدث جلب اهتمام الرأي العام التونسي نظرا لنوعية التحرك واتساعه بالإضافة إلى اضطراب موقف الحكومة بين تصعيد أولي أنتهى في الأخير بقبول كل مطالب الأطباء.
وللحدث بعدان في دلالته السياسية. فهو من ناحية يعكس ورطة سلطة قيس سعيد في تسيير الشأن العام بالنظر إلى الفشل في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. كما يعكس من جهة أخرى تصاعد دور الاحتجاج الاجتماعي في مواجهة السلطة بما يحيل عليه من ترهل المعارضة السياسية. وربما يلخص هذا المشهد حال البلاد ككل، أي عجز يتقاسمه الطرفان، سلطةٌ لم تقنع بتسلط فاشل، ومعارضة سياسية لم تقنع في معارضتها.
مأزق السلطة التونسية يكاد يبرز في كل أوجه الشأن العام من أعقده في القمة وصولا إلى مستوى الحياة اليومية البسيطة للتونسيات والتونسيين. وحسبنا أن نكتفي هنا فقط بالمؤشرات العامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فوضع الاقتصاد اليوم كما تبينه أرقام المعهد الوطني للإحصاء هو سياق أزمة خانقة عنوانها ألأبرز تراجع الاستثمار الخاص وخاصة الأجنبي منه، وتزايد حالات إفلاس الشركات الصغرى والمتوسطة، والتراجع الكبير لعدد فرض العمل المستحدثة. يحصل هذا الركود في ظل أزمة مالية خانقة دفعت بالحكومة إلى تحويل جزء كبير من الطاقة الاستثمارية للبنوك إلى قروض للدولة من أجل تمويل الميزانية العمومية. بل لم تكتف بذلك، بل غيرت القانون الأساسي للبنك المركزي بما يسمح له بالتمويل المباشر لميزانية الدولة مع ما يفتحه ذلك من مخاطر التضخم.
مقابل هذا الوضع المتردي، لا يبدو أن الحلول التي أعلنها قيس سعيد وفعلها قانونا وممارسة على أرض الواقع منذ انفراده بالسلطة نهاية سنة 2021 قد أعطت نتائج تذكر على غرار الصلح الجزائي والشركات الأهلية واسترجاع "الأموال المنهوبة" في الخراج. فالسلطة عاجزة كل العجز أمام وضع كان هو السبب في وصولها إلى الحكم.
على الجهة الأخرى من الحياة السياسية التونسية، لا تبدو المعارضة على وضع أفضل من السلطة. فهي في جانب ما تتعرض إلى حملة أمنية وقضائية عنيفة انتهت بسجن أغلب قياداتها وشمل ذلك أغلب التيارات من إسلاميين ودمقراطيين ويسار وأنصار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. عجزها يظهر بكل وضوح في تراجع القدرة على التعبئة من ناحية، ولكن خاصة في عجزها على التجديد السياسي. فباستثناء البدائل الماضوية، مثل العودة إلى ما قبل الثورة، أو الماضوية باسم الإسلام لدى الإسلاميين، لا يبدو أن التيارات الديمقراطية، الحزبية منها والمدنية، قادرة على بلورة بديل يتقدم بالبلاد نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.